فصل: مدّة التّوقيت

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


الموسوعة الفقهية / الجزء الثاني

أجل

التّعريف

1 - أجل الشّيء لغةً‏:‏ مدّته ووقته الّذي يحلّ فيه، وهو مصدر أجل الشّيء أجلاً من باب تعب، وأجّلته تأجيلاً جعلت له أجلاً، والآجل - على وزن فاعل - خلاف العاجل‏.‏ إطلاقات الأجل في كتاب اللّه تعالى‏:‏

2 - ورد إطلاق الأجل على أمور‏:‏

أ - على نهاية الحياة‏:‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ولكلّ أمّة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون‏}‏‏.‏

ب - وعلى نهاية المدّة المضروبة أجلاً لانتهاء التزام أو لأدائه‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمًّى فاكتبوه‏}‏‏.‏

ج - وعلى المدّة أو الزّمن‏.‏ قال جلّ شأنه‏:‏ ‏{‏ونقرّ في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمًّى‏}‏‏.‏

الأجل في اصطلاح الفقهاء

3 - الأجل هو المدّة المستقبلة الّتي يضاف إليها أمر من الأمور، سواء كانت هذه الإضافة أجلاً للوفاء بالتزام، أو أجلاً لإنهاء التزام، وسواء كانت هذه المدّة مقرّرةً بالشّرع، أو بالقضاء، أو بإرادة الملتزم فرداً أو أكثر‏.‏ وهذا التّعريف يشمل‏:‏ أوّلاً‏:‏ الأجل الشّرعيّ، وهو المدّة المستقبلة الّتي حدّدها المشرّع الحكيم سبباً لحكم شرعيّ، كالعدّة‏.‏ ثانياً‏:‏ الأجل القضائيّ‏:‏ وهو المدّة المستقبلة الّتي يحدّدها القضاء أجلاً لأمر من الأمور كإحضار الخصم، أو البيّنة‏.‏ ثالثاً‏:‏ الأجل الاتّفاقيّ، وهو المدّة المستقبلة الّتي يحدّدها الملتزم موعداً للوفاء بالتزامه ‏(‏أجل الإضافة‏)‏، أو لإنهاء تنفيذ هذا الالتزام ‏(‏أجل التّوقيت‏)‏ سواء كان ذلك فيما يتمّ من التّصرّفات بإرادة منفردة أو بإرادتين‏.‏ خصائص الأجل‏:‏

4 - أ - ‏(‏الأجل هو زمن مستقبل‏)‏ ب - الأجل هو أمر محقّق الوقوع‏.‏ وتلك خاصّيّة الزّمن، وفي تحقيق ذلك يقول الكمال بن الهمام‏:‏ «إنّه يترتّب على الإضافة تأخير الحكم المسبّب إلى وجود الوقت المعيّن الّذي هو كائن لا محالة، إذ الزّمان من لوازم الوجود الخارجيّ، فالإضافة إليه إضافة إلى ما قطع بوجوده»‏.‏

ج - الأجل أمر زائد على أصل التّصرّف‏.‏ وذلك يحقّقه أنّ التّصرّفات قد تتمّ منجّزةً، وتترتّب أحكامها عليها فور صدور التّصرّف، ولا يلحقها تأجيل، وقد يلحقها الأجل، كتأجيل الدّين، أو العين أو تأجيل تنفيذ آثار العقد ‏(‏فيما يصحّ فيه ذلك‏)‏ قال السّرخسيّ والكاسانيّ ما حاصله‏:‏ إنّ الأجل يعتبر أمراً لا يقتضيه العقد، وإنّما شرع رعايةً للمدين على خلاف القياس‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

التّعليق

5 - هو لغةً‏:‏ ربط أمر بآخر‏.‏ واصطلاحاً‏:‏ أن يربط أثر تصرّف بوجود أمر معدوم‏.‏ والفرق بين التّعليق والأجل أنّ التّعليق يمنع المعلّق عن أن يكون سبباً للحكم في الحال، أمّا الأجل فلا صلة له بالسّبب وإنّما هو لبيان زمن فعل التّصرّف‏.‏

الإضافة

6 - هي لغةً‏:‏ نسبة الشّيء إلى الشّيء مطلقاً‏.‏ واصطلاحاً‏:‏ تأخير أمر التّصرّف عن وقت التّكلّم إلى زمن مستقبل يحدّده المتصرّف بغير أداة شرط‏.‏ والفرق بين الإضافة والأجل أنّ الإضافة فيها تصرّف وأجل، في حين أنّ الأجل قد يخلو من إيقاع تصرّف‏.‏ ففي كلّ إضافة أجل‏.‏ التّوقيت‏:‏

7 - هو لغةً‏:‏ تقدير زمن الشّيء‏.‏ واصطلاحاً ثبوت الشّيء في الحال وانتهاؤه في وقت معيّن‏.‏ فالفرق بينه وبين الأجل أنّ الأجل وقت مضروب محدود في المستقبل‏.‏

‏(‏المدّة‏)‏‏:‏

8 - باستقصاء ما يوجد في الفقه الإسلاميّ نجد أنّ للمدّة المستقبلة استعمالات أربعةً‏:‏ هي مدّة الإضافة، ومدّة التّوقيت، ومدّة التّنجيم، ومدّة الاستعجال‏.‏ وبيانها فيما يلي‏:‏ مدّة الإضافة‏:‏

9 - وهي المدّة المستقبلة الّتي يضاف إليها ابتداءً تنفيذ آثار العقد، أو تسليم العين، أو تسليم الثّمن ‏(‏للدّين‏)‏‏.‏

فمثال الأوّل‏:‏ ما إذا قال‏:‏ «إذا جاء عيد الأضحى فقد وكّلتك في شراء أضحيّة لي ‏"‏ فقد أضاف عقد الوكالة إلى زمن مستقبل، وقد صرّح جمهور الفقهاء بصحّة ذلك‏.‏

ومثال الثّاني‏:‏ ما جاء في السّلم، من إضافة العين المسلم فيها إلى زمن معلوم لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم»‏.‏

ومثال الثّالث‏:‏ ما إذا باع بثمن مؤجّل فإنّه يصحّ؛ لقوله تعالى‏:‏ «يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمًّى فاكتبوه»‏.‏

مدّة التّوقيت

10 - وهي المدّة المستقبلة الّتي يستمرّ فيها تنفيذ الالتزام حتّى انقضائها، وذلك كما في العقود المؤقّتة، كما في الإجارة، فإنّها لا تصحّ إلاّ على مدّة معلومة، أو على عمل معيّن يتمّ في زمن، وبانتهائها ينتهي عقد الإجارة ومدّة عقد الإجارة تعتبر أجلاً‏.‏ مصداق ذلك قوله تعالى ‏{‏قال إنّي أريد أن أنكحك إحدى ابنتيّ هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشراً فمن عندك وما أريد أن أشقّ عليك ستجدني إن شاء اللّه من الصّالحين‏.‏ قال ذلك بيني وبينك أيّما الأجلين قضيت فلا عدوان عليّ واللّه على ما نقول وكيل‏}‏‏.‏ كما أنّ اللّغة العربيّة تجعل ‏"‏ التّأجيل تحديد الوقت ‏"‏ ‏"‏ والتّوقيت تحديد الأوقات، يقال‏:‏ وقّته ليوم كذا توقيتاً مثل أجّل»‏.‏ مدّة التّنجيم‏:‏

11 - جاء في مختار الصّحّاح‏:‏ النّجم لغةً الوقت المضروب، ومنه سمّي المنجّم، ويقال‏:‏ نجّم المال تنجيماً إذا أدّاه نجوماً ‏(‏أقساطاً‏)‏، والتّنجيم اصطلاحاً هو ‏"‏ التّأخير لأجل معلوم، نجماً أو نجمين ‏"‏ أو هو ‏"‏ المال المؤجّل بأجلين فصاعداً، يعلم قسط كلّ نجم ومدّته من شهر أو سنة أو نحوهما ‏"‏ فالتّنجيم نوع من الأجل يرد على الدّين المؤجّل فيوجب استحقاق بعضه عند زمن مستقبل معيّن، ثمّ يليه البعض الآخر لزمن آخر معلوم يلي الزّمن الأوّل وهكذا‏.‏ ومن بين ما برز فيه التّنجيم‏:‏

أ - دين الكتابة‏:‏ فقد اتّفق الفقهاء على جواز تنجيم مال الكتابة‏.‏ ‏(‏والمراد بالكتابة اتّفاق السّيّد وعبده على مال ينال العبد نظيره حرّيّة التّصرّف في الحال، والرّقبة في المال، بعد أداء المال‏)‏، واختلفوا في لزوم ذلك، فيرى المالكيّة على الرّاجح، والشّافعيّة والحنابلة أنّ الكتابة لا تكون إلاّ بمال مؤجّل منجّم، وسيأتي التّعرّض لذلك في الدّيون المؤجّلة‏.‏ والفقه الإسلاميّ يجعل التّنجيم نوعاً من الأجل‏.‏

ب - الدّية في القتل شبه العمد والخطأ‏:‏ تجب الدّية في القتل شبه العمد والخطأ على العاقلة مؤجّلةً منجّمةً على ثلاث سنوات في كلّ سنة ثلث الدّية، وهذا ما صرّح به فقهاء الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏

ج - الأجرة‏:‏ جاء في المغني أنّه ‏"‏ إذا شرط تأجيل الأجر فهو إلى أجله، وإن شرطه منجّماً يوماً يوماً، أو شهراً شهراً، أو أقلّ من ذلك أو أكثر، فهو على ما اتّفقا عليه؛ لأنّ إجارة العين كبيعها، وبيعها يصحّ بثمن حالّ أو مؤجّل، فكذلك إجارتها»‏.‏

مدّة الاستعجال

12 - المراد بها‏:‏ الوقت الّذي يقصد بذكره في العقد استعجال آثار العقد، وذكر الوقت للاستعجال تعرّض له الفقهاء في الإجارة، فقالوا إنّ الإجارة على ضربين‏.‏ أحدهما‏:‏ أن يعقدها على مدّة‏.‏ والثّاني‏:‏ أن يعقدها على عمل معلوم، ومتى تقدّرت المدّة لم يجز تقدير العمل عند أبي حنيفة والشّافعيّة والحنابلة؛ لأنّ الجمع بينهما يزيد الإجارة غرراً؛ لأنّه قد يفرغ من العمل قبل انقضاء المدّة‏.‏ فإن استعمل في بقيّة المدّة فقد زاد على ما وقع عليه العقد، وإن لم يعمل كان تاركاً للعمل في بعض المدّة، وقد لا يفرغ من العمل في المدّة، فإن أتمّه عمل في غير المدّة، وإن لم يعمله لم يأت بما وقع عليه العقد، وهذا غرر، أمكن التّحرّز عنه، ولم يوجد مثله في محلّ الوفاق، فلم يجز العقد معه‏.‏ ويرى أبو يوسف ومحمّد، وهو مرويّ عن الإمام أحمد أنّه تجوز الإجارة هنا؛ لأنّ الإجارة معقودة على العمل، والمدّة مذكورة للتّعجيل فلا يمتنع ذلك‏.‏ فعلى هذا إذا فرغ من العمل قبل انقضاء المدّة لم يلزمه شيء آخر، كما لو قضى الدّين قبل أجله، وإن مضت المدّة قبل العمل فللمستأجر فسخ الإجارة؛ لأنّ الأجير لم يف له بشرطه، وإن رضي بالبقاء عليه لم يملك الأجير الفسخ؛ لأنّ الإخلال بالشّرط منه، فلا يكون ذلك وسيلةً إلى الفسخ، كما لو تعذّر أداء المسلم فيه في وقته فيملك المسلم إليه الفسخ‏.‏ ويملكه المسلم، فإن اختار إمضاء العقد طالبه بالعمل لا غير، كالمسلم إذا صبر عند تعذّر المسلم فيه إلى حين وجوده لم يكن له أكثر من المسلم فيه، وإن فسخ العقد قبل عمل شيء من العمل سقط الأجر والعمل، وإن كان بعد عمل شيء منه فله أجر مثله؛ لأنّ العقد قد انفسخ فسقط المسمّى، ورجع إلى أجل المثل‏.‏

تقسيمات الأجل باعتبار مصدره

ينقسم الأجل باعتبار مصدره إلى ثلاثة أقسام‏:‏ أجل شرعيّ، وأجل قضائيّ، وأجل اتّفاقيّ‏.‏ ونتناول فيما يلي التّعريف بكلّ قسم، وذكر ما يندرج تحته من أنواع‏.‏ جاعلين لكلّ قسم فصلاً مستقلّاً‏.‏

الفصل الأوّل‏:‏ الأجل الشّرعيّ

الأجل الشّرعيّ‏:‏ هو المدّة الّتي حدّدها الشّرع الحكيم سبباً لحكم شرعيّ‏.‏

ويندرج تحت هذا النّوع الآجال الآتية‏:‏

مدّة الحمل

13 - مدّة الحمل هي الزّمن الّذي يمكثه الجنين في بطن أمّه، وقد بيّن الفقه الإسلاميّ أقلّ مدّة الحمل وأكثره، وقد استنبطت هذه المدّة ممّا ورد في القرآن الكريم، وذلك لما روى الأثرم بإسناده عن أبي الأسود أنّه‏:‏ رفع إلى عمر أنّ امرأةً ولدت لستّة أشهر، فهمّ عمر برجمها، فقال له عليّ‏:‏ ليس لك ذلك، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وحمله وفصاله ثلاثون شهراً‏}‏ فحولان وستّة أشهر ثلاثون شهراً، لا رجم عليها‏.‏ فخلّى عمر سبيلها، وولدت مرّةً أخرى لذلك الحدّ‏.‏ كما بيّن الفقه الإسلاميّ أكثر مدّة الحمل، فيرى جمهور الفقهاء ‏(‏المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في أصحّ الرّوايتين‏)‏ أنّها أربع سنوات‏.‏ وفي رأي للمالكيّة أنّها خمس سنوات، ويرى الحنفيّة، وهو رواية في مذهب الحنابلة، أنّها سنتان‏.‏ وقد جاء في مغني المحتاج أنّ أكثر مدّة الحمل دليله الاستقراء، وحكي عن مالك أنّه قال‏:‏ «جارتنا امرأة محمّد بن عجلان، امرأة صدق، وزوجها رجل صدق، حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنةً، تحمل كلّ بطن أربع سنين»‏.‏ وقد روي هذا عن غير المرأة المذكورة، وقيل إنّ أبا حنيفة حملت أمّه به ثلاث سنين وفي صحّته كما قال ابن شيبة نظر؛ لأنّ مذهبه أنّ أكثر مدّة الحمل سنتان، فكيف يخالف ما وقع في نفسه‏؟‏ ‏"‏ قال ابن عبد السّلام‏:‏ وهذا مشكل مع كثرة الفساد في هذا الزّمان»‏.‏

مدّة الهدنة

14 - يرى الحنفيّة والمالكيّة وهو ظاهر الرّواية عن الإمام أحمد أنّه يجوز موادعة أهل الحرب عشر سنين، كما «وادع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أهل مكّة»‏.‏ ويجوز أن تكون المدّة أقلّ من ذلك أو أكثر أو دون تحديد، ما دامت مصلحة المسلمين في ذلك‏.‏ أمّا إذا لم تكن مصلحة المسلمين في ذلك فلا يجوز، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلا تهنوا وتدعوا إلى السّلم وأنتم الأعلون‏}‏‏.‏ ويرى الإمام الشّافعيّ وهو رواية أخرى عند الحنابلة أنّه لا تجوز مهادنة المشركين أكثر من عشر سنين، استناداً إلى ما يروى عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية‏.‏ فإن هودن المشركون أكثر من ذلك فالهدنة منتقضة؛ لأنّ الأصل فرض قتال المشركين حتّى يؤمنوا أو يعطوا الجزية‏.‏ والتّفصيلات في مصطلح ‏(‏هدنة‏)‏‏.‏

مدّة تعريف اللّقطة

15 - مدّة تعريفها ثبتت بالشّرع، والأصل فيها ما روي عن زيد بن خالد بن زيد الجهنيّ صاحب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن اللّقطة الذّهب أو الورق فقال‏:‏ اعرف وكاءها وعفاصها، ثمّ عرّفها سنةً‏.‏ فإن جاء طالبها يوماً من الدّهر فأدّها إليه‏.‏ وسأله عن ضالّة الإبل، فقال‏:‏ مالك ولها‏؟‏ دعها، فإنّ معها حذاءها وسقاءها، ترد الماء وتأكل الشّجر، حتّى يجدها ربّها‏.‏ وسأله عن الشّاة فقال‏:‏ خذها فإنّما هي لك، أو لأخيك أو للذّئب»‏.‏ رواه مسلم‏.‏ وللفقهاء في الزّيادة عن هذه المدّة أو النّقص منها حسب أهمّيّة المال أقوال يرجع إليها في مصطلح ‏(‏لقطة‏)‏‏.‏

مدّة وجوب الزّكاة

16 - روى أبو عبد اللّه بن ماجه في السّنن بإسناده عن عمر عن عائشة قالت‏:‏ «سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول» وقد اعتبر الحول في زكاة السّوائم، والأثمان ‏(‏الذّهب والفضّة‏)‏ وقيم عروض التّجارة‏.‏ وأمّا الزّروع والثّمار والمعدن فإنّه لا يعتبر فيها الحول‏.‏

مدّة تأجيل العنّين

17 - إذا ثبتت عنّة الزّوج ضرب القاضي له سنةً كما فعل عمر رضي الله عنه، رواه الشّافعيّ والبيهقيّ وغيرهما، وروي أيضاً عن عليّ وابن مسعود وعثمان والمغيرة بن شعبة، وقال في النّهاية‏:‏ أجمع المسلمون على اتّباع قضاء عمر رضي الله عنه في قاعدة الباب‏.‏ والمعنى فيه مضيّ الفصول الأربعة؛ لأنّ تعذّر الجماع قد يكون لعارض حرارة فتزول في الشّتاء‏.‏ أو برودة فتزول في الصّيف، أو يبوسة فتزول في الرّبيع، أو رطوبة فتزول في الخريف‏.‏ فإذا مضت السّنة، ولا إصابة، علمنا أنّه عجز خلقيّ‏.‏

مدّة الإمهال في الإيلاء

18 - إذا آلى الرّجل من زوجته أمهل وجوباً أربعة أشهر، لقوله تعالى ‏{‏للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهر فإن فاءوا فإنّ اللّه غفور رحيم‏}‏‏.‏ فإن وطئها في الأربعة الأشهر حنث في يمينه ولزمته الكفّارة، وسقط الإيلاء بالإجماع، وإن لم يقربها حتّى مضت الأربعة أشهر بانت منه بتطليقة عند الحنفيّة، وهو قول ابن مسعود، ويرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو ثور أنّه إذا انقضت هذه المدّة يخيّر المولى بين الفيئة والتّكفير، وبين الطّلاق للمحلوف عليها، وهو قول عليّ وابن عمر‏.‏

مدّة الرّضاع

19 - يرى جمهور الفقهاء‏:‏ المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة، أنّ مدّة الرّضاع الّتي إذا وقع الرّضاع فيها تعلّق به التّحريم سنتان، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وحمله وفصاله ثلاثون شهراً‏}‏ ومدّة الحمل أدناها ستّة أشهر، فبقي للفصال حولان‏.‏ وروى سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عبّاس‏:‏ قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا رضاع إلاّ ما كان في الحولين» رواه الدّارقطنيّ، وظاهر ‏"‏ أنّ المراد نفي الأحكام، وقال‏:‏ لم يسنده عن ابن عيينة إلاّ الهيثم بن جميل، وهو ثقة حافظ ‏"‏ ويرى أبو حنيفة أنّ مدّة الرّضاع ثلاثون شهراً؛ لقوله تعالى ‏{‏وحمله وفصاله ثلاثون شهراً‏}‏ ووجهه أنّ اللّه سبحانه وتعالى ذكر شيئين وضرب لهما مدّةً، فكانت تلك المدّة لكلّ واحد منهما بكمالها، كالأجل المضروب للدّينين على شخصين، بأن قال أجّلت الدّين الّذي لي على فلان، والدّين الّذي لي على فلان سنةً، فإنّه يفهم منه أنّ السّنة بكمالها لكلّ، وكالأجل المضروب للدّينين على شخص، مثل أن يقول‏:‏ لفلان عليّ ألف درهم وعشرة أقفزة إلى سنة، فصدّقه المقرّ له في الأجل، فإذا مضت السّنة يتمّ أجلهما جميعاً، إلاّ أنّه قام المنقّص في أحدهما، يعني في مدّة الحمل، وهو قول عائشة رضي الله عنها الولد لا يبقى في بطن أمّه أكثر من سنتين ولو بقدر فلكة مغزل ‏"‏ وفي رواية ‏"‏ ولو بقدر ظلّ مغزل ومثله ممّا لا يقال إلاّ سماعاً؛ لأنّ المقدّرات لا يهتدي إليها العقل‏.‏ وروي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الولد لا يبقى في بطن أمّه أكثر من سنتين» فتبقى مدّة الفصال على ظاهرها‏.‏ ويرى زفر أنّ مدّة الرّضاع ثلاثة أحوال، وذلك لأنّه لا بدّ للصّبيّ من مدّة يتعوّد فيها غذاءً آخر غير اللّبن، لينقطع الإنبات باللّبن، وذلك بزيادة مدّة يتعوّد فيها الصّبيّ تغيّر الغذاء، والحول حسن للتّحوّل من حال إلى حال، لاشتماله على الفصول الأربعة، فقدّر بثلاثة أحوال‏.‏

أجل العدّة

20 - العدّة أجل ضربه الشّرع للمطلّقة أو المتوفّى عنها زوجها أو من فسخ نكاحها‏.‏ فالحامل في كلّ ما ذكر عدّتها وضع الحمل‏.‏ والمتوفّى عنها زوجها - ما لم تكن حاملاً - عدّتها أربعة أشهر وعشر، سواء كانت مدخولاً بها أم لا‏.‏ والمطلّقة المدخول بها غير الحامل والآيسة والصّغيرة ثلاثة أقراء، على الخلاف بين الفقهاء في تفسير القرء أهو الطّهر أم الحيض، وعدّة الصّغيرة الّتي لم تحض والآيسة ثلاثة أشهر‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏عدّة‏)‏‏.‏

مدّة خيار الشّرط

21 - يرى جمهور الفقهاء جواز خيار الشّرط واختلفوا في تحديد هذه المدّة، فيرى أبو حنيفة وزفر والشّافعيّة أنّه يجوز خيار الشّرط في البيع للبائع أو المشتري، أو لهما، ثلاثة أيّام فما دونها، والأصل فيه ما روي «أنّ حبّان بن منقذ بن عمرو الأنصاريّ رضي الله عنه كان يغبن في البياعات، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا بايعت فقل‏:‏ لا خلابة، ولي الخيار ثلاثة أيّام‏.‏» ويرى أبو يوسف ومحمّد وابن المنذر والحنابلة أنّه يجوز إذا سمّى مدّةً معلومةً وإن طالت‏.‏ وحكي ذلك عن الحسن بن صالح وابن أبي ليلى وإسحاق وأبي ثور‏.‏ واستدلّوا بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه أجاز البيع إلى شهرين، وأنّ الخيار حقّ يعتمد على الشّرط، فرجع في تقديره إلى مشترطه، كالأجل، ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «المسلمون عند شروطهم»‏.‏ ولأنّ الخيار إنّما شرع للحاجة إلى التّروّي ليندفع الغبن، وقد تمسّ الحاجة إلى أكثر من ثلاثة أيّام، كالتّأجيل في الثّمن، فإنّ الأجل شرع للحاجة إلى التّأخير، مخالفاً لمقتضى العقد، ثمّ جاز أيّ مقدار تراضيا عليه‏.‏ ويرى المالكيّة أنّ مدّة الخيار تختلف باختلاف السّلع، فإنّ القصد ما تختبر فيه تلك السّلعة، وذلك يختلف باختلاف السّلع بقدر الحاجة، ويضرب من الأجل أقلّ ما يمكن؛ تقليلاً للغرر، كشهر في دار، وكثلاث في دابّة‏.‏ وإذا كانت المدّة المشترطة مجهولةً، كما إذا شرط الخيار أبداً، أو متى شاء، أو قال أحدهما‏:‏ ولي الخيار، ولم يذكر مدّته، أو شرطاه إلى مدّة مجهولة كقدوم زيد، أو نزول المطر، أو مشاورة إنسان، ونحو ذلك، لم يصحّ في الصّحيح من مذهب الحنابلة ومذهب الشّافعيّة‏.‏ وروي عن أحمد أنّه يصحّ، وهما على خيارهما أبداً أو يقطعاه، أو تنتهي مدّته إن كان مشروطاً إلى مدّة، وهو قول ابن شبرمة، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «المسلمون عند شروطهم»‏.‏ وقال مالك‏:‏ يصحّ، ويضرب لهما مدّة يختبر المبيع في مثلها في العادة، لأنّ ذلك مقرّر في العادة ‏"‏، وقال أبو حنيفة‏:‏ إن أسقطا الشّرط قبل مضيّ الثّلاث، أو حذف الزّائد عليها وبيّنّا مدّته، صحّ؛ لأنّهما حذفا المفسد قبل اتّصاله بالعقد، فوجب أن يصحّ كما لو لم يشترطاه‏.‏

مدّة الحيض

22 - أقلّ مدّة الحيض يوم وليلة عند الشّافعيّة والحنابلة، وأكثرها خمسة عشر يوماً بلياليها، وذلك لأنّه ورد في الشّرع مطلقاً دون تحديد، ولا حدّ له في اللّغة ولا في الشّريعة، فيجب الرّجوع فيه إلى العرف والعادة، كما في القبض والإحراز والتّفرّق وأشباهها‏.‏ وقد وجد حيض معتاد يوماً‏.‏ قال عطاء‏:‏ رأيت من النّساء من تحيض يوماً وتحيض خمسة عشر‏.‏ ويرى الحنفيّة أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام ولياليها، وما نقص عن ذلك فهو استحاضة، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «أقلّ حيض الجارية البكر والثّيّب ثلاثة أيّام، وأكثر ما يكون عشرة أيّام، فإذا زاد فهي مستحاضة»، وعن أبي يوسف أنّه يومان والأكثر من الثّالث، إقامةً للأكثر مقام الكلّ، وأكثر الحيض عشرة أيّام ولياليها، والزّائد استحاضة‏.‏ ويرى المالكيّة أنّه لا حدّ لأقلّ الحيض بالزّمان، وأكثره لمبتدأة غير حامل تمادى بها نصف شهر، وأكثره لمعتادة غير حامل سبق لها حيض ولو مرّةً ثلاثة أيّام زيادةً على أكثر عادتها أيّاماً لا وقوعاً‏.‏ وفي ذلك تفصيل موطنه مصطلح ‏(‏حيض‏)‏‏.‏

مدّة الطّهر

23 - يرى الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والثّوريّ أنّ أقلّ الطّهر بين الحيضتين خمسة عشر يوماً، واستدلّ الحنفيّة على ذلك بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أقلّ الحيض ثلاثة، وأكثره عشرة أيّام، وأقلّ ما بين الحيضتين خمسة عشر يوماً» منقول عن إبراهيم النّخعيّ، وقد قيل‏:‏ أجمعت الصّحابة عليه؛ ولأنّه مدّة اللّزوم، فكان كمدّة الإقامة‏.‏ واستدلّ الشّافعيّة على ذلك بأنّ الشّهر غالباً لا يخلو عن حيض وطهر، وإذا كان أكثر الحيض - على رأيهم - خمسة عشر يوماً لزم أن يكون أقلّ الطّهر كذلك، ولا حدّ لأكثر الطّهر بالإجماع، فقد لا تحيض المرأة في عمرها إلاّ مرّةً، وقد لا تحيض أصلاً‏.‏ ويرى الحنابلة أنّ أقلّ الطّهر بين الحيضتين ثلاثة عشر، لما روي عن عليّ‏:‏ «أنّ امرأةً جاءته، وقد طلّقها زوجها، فزعمت أنّها حاضت في شهر ثلاث حيض، طهرت عند كلّ قرء وصلّت‏.‏ فقال عليّ لشريح‏:‏ قل فيها‏.‏ فقال شريح‏:‏ إن جاءت ببيّنة من بطانة أهلها، ممّن يرضى دينه وأمانته، فشهدت بذلك، وإلاّ فهي كاذبة‏.‏ فقال عليّ‏:‏ قالون ‏"‏ أي جيّد، بالرّوميّة‏.‏ رواه الإمام أحمد بإسناده‏.‏ وهذا لا يقوله إلاّ توقيفاً، ولأنّه قول صحابيّ انتشر، ولم يعلم خلافه‏.‏

سنّ الإياس

24 - اختلف الفقهاء في تقدير سنّ الإياس اختلافاً كبيراً‏:‏ فيرى بعضهم أنّه لا تقدير لسنّ الإياس، وإياس المرأة على هذا أن تبلغ من السّنّ ما لا يحيض فيه مثلها‏.‏ فإذا بلغت هذا المبلغ، وانقطع الدّم، حكم بإياسها، ويمكن أن يراد بمثلها فيما ذكر المماثلة في تركيب البدن، والسّمن، والهزال، وهو رأي في مذهب الحنفيّة‏.‏ ويرى بعض الفقهاء تقديره بخمسين سنةً، وهو قول للشّافعيّة، ورواية عن الإمام أحمد‏.‏ وقال إسحاق بن راهويه‏:‏ لا يكون حيض بعد الخمسين، ويكون حكمها فيما تراه من الدّم حكم المستحاضة، لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت‏:‏ إذا بلغت المرأة خمسين سنةً خرجت من حدّ الحيض ‏"‏ وروي عنها أنّها قالت‏:‏ «لن ترى المرأة في بطنها ولداً بعد الخمسين‏.‏ ويرى بعض الشّافعيّة، وهو رواية عن الإمام أحمد، أنّها لا تيأس من المحيض يقيناً إلى ستّين سنةً‏.‏ ويرى الشّافعيّة - على أشهر الأقوال - أنّ سنّ الإياس اثنتان وستّون سنةً‏.‏ ويرى المالكيّة أنّه يتحقّق في سنّ السّبعين، ومثله عن بعض الشّافعيّة، وأنّها بعد الخامسة والخمسين مشكوك في يأسها، فيرجع فيما تراه إلى النّساء لمعرفة هل هو حيض، أو ليس بحيض، أمّا من بلغت سنّ السّبعين فلا يسأل عنها‏.‏

مدّة النّفاس

25 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا حدّ لأقلّ النّفاس، فأيّ وقت رأت المرأة الطّهر اغتسلت، وهي طاهر، واختلفوا في أكثره‏:‏ فيرى جمع من العلماء أنّ أكثر النّفاس أربعون يوماً‏.‏ قال أبو عيسى التّرمذيّ‏:‏ أجمع أهل العلم من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم على أنّ النّفساء تدع الصّلاة أربعين يوماً، إلاّ أن ترى الطّهر قبل ذلك، فتغتسل وتصلّي‏.‏ وقال أبو عبيد‏:‏ وعلى هذا جماعة النّاس، وروي هذا عن عمر وابن عبّاس وعثمان بن أبي العاص وعبد اللّه بن عمر وأنس وأمّ سلمة رضي الله عنهم، وبه قال الثّوريّ وإسحاق والحنفيّة والحنابلة‏.‏ واستدلّوا بما روى أبو سهل كثير بن زياد عن مسّة الأزديّة عن أمّ سلمة قالت‏:‏ «كانت النّفساء تجلس على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً وأربعين ليلةً‏.‏» وروى الحكم بن عتيبة عن مسّة الأزديّة عن «أمّ سلمة أنّها سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ كم تجلس المرأة إذا ولدت‏؟‏ قال‏:‏ أربعين يوماً، إلاّ أن ترى الطّهر قبل ذلك» رواه الدّارقطنيّ، قال ابن قدامة‏:‏ ولأنّه قول من سمّينا من الصّحابة، ولم نعرف لهم مخالفاً في عصرهم فكان إجماعاً، وقد حكاه التّرمذيّ إجماعاً، ونحوه حكى أبو عبيد‏.‏ ويرى المالكيّة والشّافعيّة أنّ أكثره ستّون يوماً، وحكى ابن عقيل عن أحمد بن حنبل روايةً مثل قولهما، لأنّه روي عن الأوزاعيّ أنّه قال‏:‏ عندنا امرأة ترى النّفاس شهرين، وروي مثل ذلك عن عطاء أنّه وجده، والمرجع في ذلك إلى الوجود، وقال الشّافعيّة‏:‏ إنّ غالبه أربعون يوماً‏.‏

سنّ البلوغ

26 - لقد جعل الشّارع البلوغ أمارةً على تكامل العقل؛ لأنّ الاطّلاع على تكامل العقل متعذّر، فأقيم البلوغ مقامه‏.‏ وقد اختلف في سنّ البلوغ‏:‏ فيرى الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة، وبرأيهما يفتى في المذهب، والأوزاعيّ، أنّ البلوغ بالسّنّ يكون بتمام خمس عشرة سنةً قمريّةً للذّكر والأنثى ‏(‏تحديديّة كما صرّح الشّافعيّة‏)‏، لخبر «ابن عمر‏.‏ عرضت على النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنةً، فلم يجزني ولم يرني بلغت، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنةً، فأجازني، ورآني بلغت»‏.‏ رواه ابن حبّان، وأصله في الصّحيحين قال الشّافعيّ‏:‏ «ردّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سبعة عشر من الصّحابة وهم أبناء أربع عشرة سنةً، لأنّه لم يرهم بلغوا، ثمّ عرضوا عليه وهم أبناء خمس عشرة، فأجازهم، منهم زيد بن ثابت، ورافع بن خديج، وابن عمر»‏.‏ وروي عن أنس أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إذا استكمل المولود خمس عشرة سنةً كتب ما له وما عليه، وأخذت منه الحدود»‏.‏ ويرى المالكيّة أنّ البلوغ يكون بتمام ثماني عشرة سنةً، وقيل بالدّخول فيها، أو الحلم أي الإنزال، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «رفع القلم عن ثلاث‏:‏ عن الصّبيّ حتّى يحتلم‏.‏‏.‏‏.‏»، أو الحيض لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يقبل اللّه صلاة حائض إلاّ بخمار»، أو الحبل للأنثى، أو الإنبات الخشن للعانة‏.‏ وقد أورد الحطّاب خمسة أقوال في المذهب، ففي رواية ثمانية عشر وقيل سبعة عشر، وزاد بعض شرّاح الرّسالة ستّة عشر، وتسعة عشر، وروى ابن وهب خمسة عشر لحديث ابن عمر‏.‏ ويرى أبو حنيفة أنّ بلوغ الغلام بالسّنّ هو بلوغه ثماني عشرة سنةً، والجارية سبع عشر سنةً‏.‏ وذلك لقوله تعالى «ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه» قال ابن عبّاس رضي الله عنه‏:‏ ثماني عشرة سنةً وهي أقلّ ما قيل فيه، فأخذ به احتياطاً‏.‏ هذا أشدّ الصّبيّ، والأنثى أسرع بلوغاً من الغلام فنقصناها سنةً، ويرجع في تفصيل الأحكام إلى مصطلحي ‏(‏احتلام‏)‏ ‏(‏وبلوغ‏)‏‏.‏

مدّة المسح على الخفّ

27 - يرى الجمهور جواز المسح على الخفّ مدّة يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيّام ولياليها للمسافر، وهو رأي الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة والثّوريّ والأوزاعيّ والحسن بن صالح بن حيّ وإسحاق بن راهويه ومحمّد بن جرير الطّبريّ‏.‏ قال ابن سيّد النّاس في شرح التّرمذيّ‏:‏ وثبت التّوقيت عن عمر بن الخطّاب، وعليّ بن أبي طالب، وابن مسعود، وابن عبّاس، وحذيفة، والمغيرة، وأبي زيد الأنصاريّ‏.‏ هؤلاء من الصّحابة، وروي عن جماعة من التّابعين منهم شريح القاضي، وعطاء بن أبي رباح، والشّعبيّ، وعمر بن عبد العزيز‏.‏ قال أبو عمر بن عبد البرّ‏:‏ وأكثر التّابعين والفقهاء على ذلك‏.‏ واستدلّوا بأحاديث وآثار كثيرة، منها ما روى صفوان بن عسّال، قال‏:‏ «أمرنا - يعني النّبيّ صلى الله عليه وسلم - أن نمسح على الخفّين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثةً إذا سافرنا، ويوماً وليلةً إذا أقمنا، ولا نخلعهما من غائط ولا بول ولا نوم، ولا نخلعهما إلاّ من جنابة»‏.‏ رواه أحمد وابن خزيمة‏.‏ وقال الخطّابيّ‏:‏ هو صحيح الإسناد، وعن عوف بن مالك الأشجعيّ «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمر بالمسح على الخفّين في غزوة تبوك ثلاثة أيّام ولياليهنّ للمسافر، ويوماً وليلةً للمقيم‏.‏» رواه أحمد، وقال‏:‏ هو أجود حديث في المسح على الخفّين؛ لأنّه في غزوة تبوك، وهي آخر غزاة غزاها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وهو آخر فعله‏.‏ ويرى المالكيّة أنّ المسح على الخفّين غير مؤقّت، وأنّ لابس الخفّين وهو طاهر يمسح عليهما ما بدا له، والمسافر والمقيم في ذلك سواء، ما لم ينزعهما، أو تصبه جنابة‏.‏ إلاّ أنّه يندب نزعه كلّ يوم جمعة، ويستحبّ كلّ أسبوع أيضاً، وقد استدلّ لهذا الرّأي بما روي عن أبيّ بن عمارة «أنّه قال لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ أمسح على الخفّين‏؟‏ قال‏:‏ نعم قال‏:‏ يوماً، قال‏:‏ ويومين‏؟‏ قال‏:‏ وثلاثة أيّام‏؟‏ قال‏:‏ نعم وما شئت»‏.‏ وفي رواية «حتّى بلغ سبعاً، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ نعم، وما بدا لك» رواه أبو داود، وروي ذلك عن عمر بن الخطّاب، وعقبة بن عامر، وعبد اللّه بن عمر، والحسن البصريّ، واللّيث بن سعد‏.‏ كما أنّهم قاسوه على مسح الرّأس والجبيرة، فكما أنّ المسح عليهما لا يتوقّت، فكذلك المسح على الخفّين‏.‏

مدّة السّفر

28 - السّفر لغةً قطع المسافة، وليس كلّ سفر تتغيّر به الأحكام، من جواز الإفطار، وقصر الصّلاة الرّباعيّة، ومسح الخفّ، وإنّما سفر خاصّ، حدّده الفقهاء، وإن اختلفوا في هذا التّحديد‏:‏ فيرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّ طويل السّفر هو المجيز لقصر الصّلاة، وقالوا‏:‏ إنّ السّفر الطّويل هو أربعة برد فأكثر برّاً أو بحراً‏.‏ وقد استدلّ أصحاب هذا الرّأي بما روي أنّ ابن عمر وابن عبّاس كانا يقصران ويفطران في أربعة برد فما فوقها‏.‏ ولا يعرف لهما مخالف، وأسنده البيهقيّ بسند صحيح، قال الخطّابيّ‏:‏ ومثل هذا لا يكون إلاّ عن توقيف‏.‏ وروي عن جماعة من السّلف ما يدلّ على جواز القصر في أقلّ من يوم‏.‏ فقال الأوزاعيّ‏:‏ كان أنس يقصر فيما بينه وبين خمسة فراسخ‏.‏ وروي عن عليّ رضي الله عنه أنّه خرج من قصره بالكوفة حتّى أتى النّخيلة فصلّى بها كلّاً من الظّهر والعصر ركعتين، ثمّ رجع من يومه، فقال‏:‏ أردت أن أعلّمكم سنّتكم‏.‏ ويرى الحنفيّة أنّ السّفر الّذي تتغيّر به الأحكام أن يقصد الإنسان مسيرة ثلاثة أيّام ولياليها، بسير الإبل، ومشي الأقدام، لقوله عليه السلام‏:‏ «يمسح المقيم كمال يوم وليلة، والمسافر ثلاثة أيّام ولياليها» عمّ الجنس، ومن ضرورته عموم التّقدير؛ ولأنّ الثّلاثة الأيّام متّفق عليها، وليس فيما دونها توقيف ولا اتّفاق‏.‏ وقدّره أبو يوسف رحمه الله بيومين وأكثر الثّالث‏.‏ والسّير المذكور هو الوسط، ويعتبر في الجبل ما يليق به، وفي البحر اعتدال الرّياح‏.‏ فينظر كم يسير في مثله ثلاثة أيّام فيجعل أصلاً»‏.‏

الفصل الثّاني‏:‏ الأجل القضائي

29 - المراد بالأجل القضائيّ‏:‏ الأجل الّذي يضربه القاضي لحضور الخصوم، أو إحضار البيّنة، أو إحضار الكفيل، أو تأجيل المعسر إلى ميسرة‏.‏ الحضور للتّقاضي‏:‏

30 - إنّ الأجل الّذي يضربه القاضي لحضور المتخاصمين موكول إلى تقديره وطبيعة موضوع النّزاع‏.‏ وللفقهاء تفصيلات كثيرة في هذا، هي من قبيل الأوضاع الزّمنيّة الّتي تتغيّر، وتفصيلها في أبواب الدّعوى والقضاء من كتب الفقه‏.‏

‏(‏إحضار البيّنة‏)‏‏:‏

31 - يرى الحنفيّة والشّافعيّة أنّ للقاضي أن يمهل المدّعي ثلاثة أيّام لإحضار البيّنة، بينما يرى المالكيّة والحنابلة أنّ ذلك موكول لاجتهاد القاضي‏.‏

الفصل الثّالث‏:‏ الأجل الاتّفاقيّ

32 - يقصد به المدّة المستقلّة الّتي يحدّدها الملتزم للوفاء بالتزامه، سواء أكان هذا الالتزام يقابله التزام من آخر أو لا يقابله، أو يحدّدها لإنهاء هذا الالتزام‏.‏ وينقسم هذا النّوع من الأجل إلى قسمين‏:‏ أجل إضافة، ومحلّ بيان أحكامه مصطلح ‏(‏إضافة‏)‏ وأجل توقيت، وفيما يلي آراء الفقهاء في حكمه‏:‏

اشتراط تأجيل تسليم العين في التّصرّفات النّاقلة للملكيّة‏:‏

33 - اختلف الفقهاء في صحّة اشتراط تأجيل تسليم ‏(‏العين‏)‏ إلى المنقول إليه ملكيّتها مدّةً معلومةً للانتفاع بها على رأيين‏:‏ الأوّل‏:‏ يرى المالكيّة والحنابلة وهو رأي مرجوح في مذهب الشّافعيّة‏:‏ أنّه يجوز أن يشترط تأجيل تسليم العين إلى المدّة الّتي يحدّدها المتعاقدان، وأن يكون المنتفع بها هو النّاقل للملكيّة، وهذا الرّأي منقول عن الأوزاعيّ، وابن شبرمة، وإسحاق، وأبي ثور‏.‏ ومن أمثلته‏:‏ إذا باع داراً على أن يسكنها البائع شهراً، ثمّ يسلّمها إليه، أو أرضاً على أن يزرعها سنةً، أو دابّةً على أن يركبها شهراً، أو ثوباً على أن يلبسه أسبوعاً‏.‏ واستدلّ لهذا الرّأي بأنّ عموم الآيات والأحاديث تأمر بالوفاء بالعقود‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيّها الّذين آمنوا أوفوا بالعقود‏.‏‏.‏‏}‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وأوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسئولاً‏}‏ وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «المسلمون على شروطهم إلاّ شرطاً حرّم حلالاً، أو أحلّ حراماً»، فالآيات والأحاديث تأمر بالوفاء بكلّ عقد وشرط لا يخالف كتاب اللّه، ولا سنّة رسوله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وبخصوص ما روي عن جابر رضي الله عنه‏:‏ «أنّه كان يسير على جمل قد أعيا، فضربه النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فسار سيراً لم يسر مثله‏.‏ فقال‏:‏ بعنيه‏.‏ فبعته واستثنيت حملانه إلى أهلي»‏.‏ متّفق عليه‏.‏ فهذا الحديث يدلّ على جواز اشتراط تأجيل تسليم المبيع فترةً ينتفع فيها البائع به، ثمّ يسلّمه إلى المشتري‏.‏ ويؤيّده أنّه صلى الله عليه وسلم «نهى عن الثّنيا أي الاستثناء إلاّ أن تعلم» وهذه معلومة، وأكثر ما فيه تأخير تسليم المبيع مدّة معلومة، فصحّ‏.‏ الثّاني‏:‏ يرى الحنفيّة، وهو الرّاجح عند الشّافعيّة، عدم صحّة اشتراط تأجيل تسليم العين‏.‏ واستدلّوا بما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه «نهى عن بيع وشرط»، وروي أنّ عبد اللّه بن مسعود اشترى جاريةً من امرأته زينب الثّقفيّة‏.‏ وشرطت عليه أنّك إن بعتها فهي لي بالثّمن‏.‏ فاستفتى عمر رضي الله عنه، فقال‏:‏ «لا تقربها»، وفيها شرط لأحد وروي أنّ عبد اللّه بن مسعود اشترى جاريةً واشترط خدمتها، فقال له عمر لا تقربها وفيها مثنويّة‏.‏ وأمّا إذا جعل تأجيل تسليم العين لمصلحة أجنبيّ عن العقد، كما إذا باعه بشرط أن ينتفع بها فلان «الأجنبيّ عن العقد» شهراً، فلم ير صحّة هذا أحد من الفقهاء غير الحنابلة‏.‏

المبحث الثّالث‏:‏ تأجيل الدّين الدّين

هو مال حكميّ يحدث في الذّمّة ببيع أو استهلاك أو غيرهما‏.‏

مشروعيّة تأجيل الدّيون

34 - لقد شرع جواز تأجيل الدّيون بالكتاب والسّنّة والإجماع‏.‏ أمّا الكتاب فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمًّى فاكتبوه‏}‏‏.‏ فهذه الآية، وإن كانت لا تدلّ على جواز تأجيل سائر الدّيون، إلاّ أنّها تدلّ على أنّ من الدّيون ما يكون مؤجّلاً، وهو ما نقصده هنا من الاستدلال بها على مشروعيّة الأجل‏.‏ وأمّا السّنّة فما روي عن السّيّدة عائشة رضي الله عنها‏:‏ «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم اشترى من يهوديّ طعاماً إلى أجل، ورهنه درعاً له من حديد»‏.‏ رواه مسلم واللّفظ له‏.‏ فهو يدلّ على مشروعيّة تأجيل الأثمان، وقد أجمعت الأمّة على ذلك‏.‏ حكمة قبول الدّين التّأجيل دون العين‏:‏

35 - نصّ الفقهاء على أنّ الفرق بين الأعيان والدّيون من حيث جواز التّأجيل في الثّانية دون الأولى‏:‏ أنّ الأعيان معيّنة ومشاهدة، والمعيّن حاصل وموجود، والحاصل والموجود ليس هناك مدعاة لجواز ورود الأجل عليه‏.‏ أمّا الدّيون‏:‏ فهي مال حكميّ يثبت في الذّمّة، فهي غير حاصلة ولا موجودة، ومن ثمّ شرع جواز تأجيلها، رفقاً بالمدين، وتمكيناً له من اكتسابها وتحصيلها في المدّة المضروبة، حتّى إنّ المشتري لو عيّن النّقود الّتي اشترى بها لم يصحّ تأجيلها‏.‏ الدّيون من حيث جواز التّأجيل وعدمه‏:‏

36 - أوضح الفقهاء أنّ الدّيون تكون حالّةً، وأنّه يجوز تأجيلها إذا قبل الدّائن، واستثنى جمهور الفقهاء من هذا الأصل عدّة ديون‏:‏

أ - ‏(‏رأس مال السّلم‏)‏‏:‏

37 - وذلك لأنّ حقيقته شراء آجل، وهو المسلم فيه ‏(‏وهو السّلعة‏)‏، بعاجل، وهو رأس المال ‏(‏وهو الثّمن‏)‏ فرأس مال السّلم لا بدّ من كونه حالّاً، عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة؛ لأنّ من شرط صحّة هذا العقد قبض رأس المال قبل انتهاء مجلس العقد ولأنّه لو تأخّر لكان في معنى بيع الدّين بالدّين، ‏(‏إن كان رأس المال في الذّمّة‏)‏ وهو منهيّ عنه، لما روي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «نهى عن بيع الكالئ بالكالئ» أي النّسيئة بالنّسيئة؛ ولأنّ في السّلم غرراً، فلا يضمّ إليه غرر تأخير تسليم رأس المال، فلا بدّ من حلول رأس المال، كالصّرف، فلو تفرّقا قبل قبض رأس المال بطل العقد‏.‏ ويرى المالكيّة أنّ من شروط صحّة عقد السّلم قبض رأس المال كلّه في مجلس العقد، ويجوز تأخير قبضه بعد العقد لمدّة لا تزيد على ثلاثة أيّام، ولو بشرط ذلك في العقد؛ لأنّ ما قارب الشّيء يعطى حكمه، وهذا إذا لم يكن أجل السّلم قريباً كيومين، وذلك فيما شرط قبضه في بلد آخر، وإلاّ فلا يجوز تأخير هذه المدّة؛ لأنّه عين الكالئ بالكالئ، فيجب أن يقبض رأس المال بالمجلس أو ما يقرب منه‏.‏ وفي فساد السّلم بالزّيادة على الثّلاث ‏(‏بلا شرط إن لم تكثر جدّاً - بألاّ يحلّ أجل المسلم فيه -‏)‏ وعدم فساده قولان لمالك‏.‏

ب - ‏(‏بدل الصّرف‏)‏‏:‏

38 - من شروط صحّة الصّرف تقابض الثّمنين في مجلس العقد، أي قبل افتراق المتعاقدين بأبدانهما، فلو اشترط الأجل فيه فسد؛ لأنّ الأجل يمنع القبض، وإذا لم يتحقّق القبض لم يتحقّق شرط صحّته، وهذا ما صرّح به الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الذّهب بالذّهب، والفضّة بالفضّة، والبرّ بالبرّ، والشّعير بالشّعير، والتّمر بالتّمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواءً بسواء، يداً بيد‏.‏ فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد»، أي مقابضةً‏.‏ قال الرّافعيّ‏:‏ ومن لوازمه الحلول‏.‏ وقال ابن المنذر‏:‏ أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على أنّ المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أنّ الصّرف فاسد، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الذّهب بالورق رباً إلاّ هاء وهاء»، وقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «بيعوا الذّهب بالفضّة كيف شئتم يداً بيد»‏.‏

ج - ‏(‏الثّمن بعد الإقالة‏)‏‏:‏

39 - الإقالة جائزة في البيع بمثل الثّمن الأوّل، عليه إجماع المسلمين، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من أقال نادماً بيعته أقال اللّه عثرته يوم القيامة»‏.‏ أخرجه أبو داود وابن ماجه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من أقال مسلماً بيعته أقال اللّه عثرته» زاد ابن ماجه‏:‏ «يوم القيامة»‏.‏ ورواه ابن حبّان في صحيحه والحاكم، وقال على شرط الشّيخين، وأمّا لفظ «نادماً ‏"‏ فعند البيهقيّ‏.‏ والإقالة عند الجمهور عود المتعاقدين إلى الحال الأوّل، بحيث يأخذ البائع المبيع والمشتري الثّمن‏.‏ فإن شرط غير جنس الثّمن، أو أكثر منه، أو أجله، بأن كان الثّمن حالّاً فأجّله المشتري عند الإقالة، فإنّ التّأجيل يبطل، وتصحّ الإقالة‏.‏ وذهب المالكيّة إلى أنّ الإقالة بيع فتجري عليها أحكامه من التّأجيل وغيره‏.‏

د - ‏(‏بدل القرض‏)‏‏:‏

40 - اختلف العلماء في جواز اشتراط تأجيل القرض‏:‏ فيرى جمهور الفقهاء أنّه يجوز للمقرض المطالبة ببدله في الحال، وأنّه لو اشترط فيه التّأجيل لم يتأجّل، وكان حالّاً، وبهذا قال الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة والحارث العكليّ والأوزاعيّ وابن المنذر‏.‏ وذلك لأنّه سبب يوجب ردّ المثل في المثليّات، فأوجبه حالّاً، كالإتلاف، ولو أقرضه بتفاريق، ثمّ طالبه بها جملةً فله ذلك؛ لأنّ الجميع حالّ، فأشبه ما لو باعه بيوعاً حالّةً، ثمّ طالبه بثمنها جملةً؛ ولأنّ الحقّ يثبت حالّاً، والتّأجيل تبرّع منه ووعد، فلا يلزم الوفاء به، كما لو أعاره شيئاً، وهذا لا يقع عليه اسم الشّرط، ولو سمّي شرطاً، فلا يدخل في حديث‏:‏ «المؤمنون عند شروطهم»‏.‏

هـ - ‏(‏ثمن المشفوع فيه‏)‏‏:‏

41 - اختلف الفقهاء في كون ثمن المشفوع فيه هل يجب حالّاً، أو يجوز فيه التّأجيل، فيرى الحنفيّة والشّافعيّة أنّه يجب حالّاً ولو كان الثّمن مؤجّلاً على المشتري، ويرى المالكيّة والحنابلة أنّه إذا بيع العقار مؤجّلاً أخذه الشّفيع إلى أجله‏.‏

الدّيون المؤجّلة بحكم الشّرع

أ - ‏(‏الدّية‏)‏‏:‏

42 - لمّا كانت الدّية قد تجب في القتل العمد ‏(‏إذا عفي عن القاتل، وطلبها أولياء المقتول، كما هو رأي الشّافعيّة والحنابلة - أو رضي أولياء الدّم ورضي القاتل بدفعها كما هو رأي الحنفيّة والمالكيّة‏)‏، وفي شبه العمد، وفي الخطأ، ولمّا كان الفقهاء قد اختلفوا في كيفيّة أدائها في كلّ نوع من أنواع القتل الّذي وجبت فيه، كان لا بدّ من بيان آرائهم فيما يكون منها حالّاً أو مؤجّلاً‏.‏ الدّية في القتل العمد‏:‏

43 - يرى جمهور الفقهاء ‏(‏المالكيّة، والشّافعيّة والحنابلة‏)‏ أنّها تجب في مال القاتل حالّةً غير مؤجّلة ولا منجّمة، وذلك لأنّ ما وجب بالقتل العمد كان حالّاً، كالقصاص، فإنّه يجب حالّاً، ويرى الحنفيّة التّفريق بين الدّية الّتي تجب بالصّلح، فيجعلونها حالّةً في مال القاتل، وبين الّتي تجب بسقوط القصاص بشبهة، كما إذا قتل الأب ابنه عمداً، فإنّها تجب في مال القاتل في ثلاث سنين، وذلك قياساً على القتل الخطأ‏.‏

الدّية في القتل شبه العمد

44 - تجب الدّية في هذا النّوع من القتل على العاقلة في ثلاث سنين، وهو رأي الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، ‏(‏وهو المرويّ عن عمر وعليّ وابن عبّاس رضي الله عنهم، وبه قال الشّعبيّ والنّخعيّ وقتادة وعبد اللّه بن عمر وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر‏)‏‏.‏ واستدلّوا بما روي أنّ عمر وعليّاً قضيا بالدّية على العاقلة في ثلاث سنين، ولا مخالف لهما في عصرهما فكان إجماعاً، ولأنّ المرويّ عنهما كالمرويّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم لأنّه ممّا لا يعرف بالرّأي‏.‏

الدّية في القتل الخطأ

45 - يرى جمهور الفقهاء أنّ الدّية في القتل الخطأ تكون مؤجّلةً لمدّة ثلاث سنوات، يؤخذ في كلّ سنة ثلث الدّية، ويجب في آخر كلّ سنة، وهو رأي الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏ واستدلّوا بما روي عن عمر بن الخطّاب أنّه قضى بالدّية على العاقلة في ثلاث سنين، وقد قال هذا أيضاً عليّ وعبد اللّه بن عبّاس، وقد عزاه الإمام الشّافعيّ في المختصر إلى قضاء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقد نقل الرّافعيّ والتّرمذيّ في جامعه وابن المنذر الإجماع على ذلك‏.‏

ب - المسلم فيه‏:‏

46 - لمّا كان السّلم هو شراء آجل بعاجل، والآجل هو المسلم فيه، فقد اشترط الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والأوزاعيّ لصحّة السّلم أن يكون المسلم فيه مؤجّلاً إلى أجل معلوم، ولا يصحّ السّلم الحالّ لقول النّبيّ عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، أو وزن معلوم، إلى أجل معلوم»‏.‏ فأمر بالأجل، وأمره يقتضي الوجوب؛ ولأنّه أمر بهذه الأمور تبييناً لشروط السّلم، ومنعاً منه بدونها، وكذلك لا يصحّ إذا انتفى الكيل والوزن، فكذلك الأجل؛ ولأنّ السّلم إنّما جاز رخصةً للرّفق، ولا يحصل الرّفق إلاّ بالأجل، فإذا انتفى الأجل انتفى الرّفق، فلا يصحّ، كالكتابة؛ ولأنّ الحلول يخرجه عن اسمه ومعناه‏.‏ ويرى الشّافعيّة وأبو ثور وابن المنذر أنّه يجوز أن يكون السّلم في الحالّ؛ لأنّه عقد يصحّ مؤجّلاً فصحّ حالّاً، كبيوع الأعيان؛ ولأنّه إذا جاز مؤجّلاً، فحالّاً أجوز، ومن الغرر أبعد‏.‏

ج - ‏(‏مال الكتابة‏)‏‏:‏

47 - اختلف الفقهاء في وجوب تأجيل العوض المكاتب به إلى أجل معيّن‏:‏ فيرى الحنفيّة، وابن رشد من المالكيّة، وابن عبد السّلام والرّويانيّ من الشّافعيّة، أنّه لا يشترط ذلك، بل تصحّ بمال مؤجّل وبمال حالّ، ويرى المالكيّة - على الرّاجح عندهم - والشّافعيّة والحنابلة‏:‏ أنّها لا تكون إلاّ بمال مؤجّل منجّم تيسيراً على المكاتب في الجملة‏.‏

د - توقيت القرض‏:‏

48 - سبق بيان آراء الفقهاء في جواز تأجيل بدل القرض وعدمه‏.‏ أمّا عقد القرض فهو عقد لا يصدر إلاّ مؤقّتاً، وذلك لأنّه عقد تبرّع ابتداءً، ومعاوضة انتهاءً، أو دفع مال إرفاقاً لمن ينتفع به ويردّ بدله‏.‏ والانتفاع به يكون بمضيّ فترة ينتفع فيها المقترض بمال القرض، وذلك باستهلاك عينه؛ لأنّه لو كان الانتفاع به مع بقاء عينه كان إعارةً لا قرضاً، ثمّ يردّ مثله إذا كان مثليّاً وقيمته إذا كان قيميّاً، وقد اختلف الفقهاء في المدّة الّتي يلزم فيها هذا العقد‏:‏ فيرى المالكيّة أنّه عقد لازم في حقّ الطّرفين طوال المدّة المشترطة في العقد، فإن لم يكن اشتراط فللمدّة الّتي اعتيد اقتراض مثله لها، ويرى الحنابلة أنّ عقد القرض عقد لازم بالقبض في حقّ المقرض، جائز في حقّ المقترض، ويثبت العوض عن القرض في ذمّة المقترض حالّاً، وإن أجّله؛ لأنّه عقد منع فيه من التّفاضل، فمنع الأجل فيه، كالصّرف، إذ الحالّ لا يتأجّل بالتّأجيل، وهو عدة تبرّع لا يلزم الوفاء به‏.‏ قال أحمد‏:‏ القرض حالّ، وينبغي أن يفي بوعده، ويحرم الإلزام بتأجيل القرض؛ لأنّه إلزام بما لا يلزم‏.‏ ويرى الحنفيّة والشّافعيّة أنّ القرض عقد إرفاق جائز في حقّ الطّرفين، وذلك لأنّ الملك في القرض غير تامّ؛ لأنّه يجوز لكلّ واحد منهما أن ينفرد بالفسخ‏.‏

القسم الثّاني‏:‏ أجل التّوقيت

49 - يقصد بأجل التّوقيت‏:‏ الزّمن الّذي يترتّب على انقضائه زوال التّصرّف، أو انتهاء الحقّ الّذي اكتسب خلال هذه المدّة المتّفق عليها، والعقود والتّصرّفات من حيث قبولها للتّوقيت تنقسم إلى‏:‏

أ - ‏(‏عقود لا تصلح إلاّ ممتدّةً لأجل‏)‏ ‏(‏مؤقّتة‏)‏‏.‏

ب - عقود تصحّ حالّةً ومؤقّتةً‏.‏ كما أنّ هذه العقود منها ما لا يصحّ إلاّ بأجل معلوم، ومنها ما لا يصحّ إلاّ بأجل مجهول، ومنها ما يصحّ بأجل معلوم أو مجهول، وفيما يلي بيان ذلك‏.‏

المبحث الأوّل‏:‏ عقود لا تصحّ إلاّ ممتدّةً لأجل ‏(‏مؤقّتة‏)‏‏.‏

وهذا القسم يشمل عقود‏:‏ الإجارة، والكتابة والقراض‏:‏

أ - ‏(‏عقد الإجارة‏)‏‏:‏

50 - إنّ الإجارة مؤقّتة إمّا بمدّة، وإمّا بعمل معيّن، والعمل يتمّ في زمن عادةً، وبانتهاء العمل ينتهي عقد الإجارة، فهو عقد مؤقّت‏.‏ ومثل عقد الإجارة‏:‏ المساقاة والمزارعة‏.‏

عقد المساقاة

51 - يرى الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة أنّ المساقاة تكون مؤقّتةً، فإن لم يبيّنا مدّةً وقع على أوّل ثمر يخرج، ويرى الحنابلة أنّها يصحّ توقيتها؛ لأنّه لا ضرر في تقدير مدّتها، ولا يشترط توقيتها‏.‏

تأقيت المزارعة

52 - المزارعة لا يجيزها الإمام أبو حنيفة، ويجيزها الصّاحبان أبو يوسف ومحمّد وبقولهما يفتى في المذهب‏.‏ كما لا يجيزها الشّافعيّة إلاّ إذا كان بين النّخل أو العنب بياض ‏(‏أي أرض لا زرع فيها‏)‏ صحّت المزارعة عليه مع المساقاة على النّخل أو العنب تبعاً للمساقاة، ويرى المالكيّة ومحمّد بن الحسن والحنابلة أنّ عقد المزارعة يجوز بلا بيان مدّة، وتقع على أوّل زرع يخرج، ويرى جمهور الحنفيّة أنّ من شروط صحّة عقد المزارعة ذكر مدّة متعارفة، فتفسد بما لا يتمكّن فيها من المزارعة، وبما لا يعيش إليها أحدهما غالباً‏.‏

ب - ‏(‏عقد الكتابة‏)‏‏:‏

53 - هو عقد بين السّيّد ومملوكه على مال يوجب تحرير يد المملوك ‏(‏أي تصرّفه‏)‏ في الحال ورقبته في المآل وهو من محاسن الإسلام، إذ فيه فتح باب الحرّيّة للأرقّاء، وعقد الكتابة يوجب تأجيل العوض المكاتب به إلى أجل معيّن عند جمهور الفقهاء، فإذا أدّاه المكاتب عتق، فيكون هذا العقد مؤقّتاً بتأقيت العوض فيه‏.‏ فإذا وفّى بما التزمه انتهى عقد الكتابة، وعتق، وإن لم يوفّ أو عجز نفسه، انتهى عقد الكتابة وعاد رقيقاً، على تفصيل في ذلك‏.‏

المبحث الثّاني‏:‏ عقود تصحّ مطلقةً ومقيّدةً تأقيت عقد العاريّة لأجل

54 - لمّا كانت حقيقة العاريّة أنّها إباحة نفع عين يحلّ الانتفاع بها مع بقاء العين، ليردّها على مالكها، لذلك لم يختلف الفقهاء في أنّ هذه الإباحة موقوتة، غير أنّ هذا الوقت قد يكون محدّداً، وتسمّى عاريّة مقيّدة - وقد لا يكون، وتسمّى العاريّة المطلقة، ويرى جمهور الفقهاء أنّ العاريّة عقد غير لازم فلكلّ واحد من المتعاقدين الرّجوع متى شاء، خلافاً للمالكيّة في المقيّدة، وفي المطلقة إلى مدّة ينتفع فيها بمثلها عادةً‏.‏

تأقيت الوكالة لأجل

55 - يجوز تأقيت الوكالة بأجل عند جميع الفقهاء، كقوله ‏"‏ وكّلتك شهراً، فإذا مضى الشّهر امتنع الوكيل عن التّصرّف ‏"‏ ‏"‏ ولو قال وكّلتك في شراء كذا في وقت كذا صحّ بلا خلاف ‏"‏ لأنّ الوكيل لا يملك من التّصرّف إلاّ ما يقتضيه إذن الموكّل، وعلى الوجه الّذي أراده، وفي الزّمن والمكان الّذي حدّده‏.‏ والأصل في الوكالة أنّها عقد جائز من الطّرفين، لكلّ واحد منهما فسخها متى شاء، إلاّ إذا تعلّق بها حقّ للغير؛ لأنّه إذن في التّصرّف، فكان لكلّ واحد منها إبطاله، كالإذن في أكل طعامه‏.‏ وهذا ما صرّح به جمهور الفقهاء في الجملة‏.‏ وللمالكيّة تفصيل في هذا تبعاً للعوض وعدمه، يرجع فيه وفي التّفصيلات الأخرى إلى الوكالة‏.‏

توقيت المضاربة القراض

56 - اختلف الفقهاء في جواز تأقيت المضاربة‏:‏ فيرى الحنفيّة والحنابلة أنّه يجوز توقيت المضاربة، مثل أن يقول‏:‏ ضاربتك على هذه الدّراهم سنةً، فإذا انقضت فلا تبع ولا تشتر‏.‏ فإذا وقّت لها وقتاً انتهت بمضيّه؛ لأنّ التّوقيت مقيّد، وهو وكيل، فيتقيّد بما وقّته، كالتّقييد بالنّوع والمكان‏.‏ ولأنّه تصرّف يتوقّت بنوع من المتاع، فجاز توقيته في الزّمان، كالوكالة؛ ولأنّ لربّ المال منعه من البيع والشّراء في كلّ وقت إذا رضي أن يأخذ بماله عرضاً، فإذا شرط ذلك فقد شرط ما هو من مقتضى العقد، فصحّ، كما لو قال‏:‏ إذا انقضت السّنة فلا تشتر شيئاً‏.‏ ويرى المالكيّة، والشّافعيّة، أنّه لا يجوز توقيت المضاربة‏.‏

تأقيت الكفالة بأجل

57 - اختلف الفقهاء في جواز تأقيت الكفالة، كما لو قال‏:‏ «أنا كفيل بزيد إلى شهر وبعده أنا بريء»‏.‏ فيرى الحنفيّة والشّافعيّة ‏(‏على الصّحيح عندهم ‏)‏ والحنابلة أنّه يجوز توقيتها، وكذلك المالكيّة بشروط تفصيلها في باب الضّمان من كتبهم؛ لأنّه قد يكون له غرض في التّقيّد بهذه المدّة، وقد أورد الحنفيّة بعض صور التّوقيت‏.‏ واختلف المذهب في صحّة التّوقيت فيها يرجع إليها في الكفالة‏.‏ ويرى الشّافعيّة ‏(‏على الأصحّ عندهم‏)‏ أنّه لا يجوز توقيت الكفالة‏.‏

تأقيت الوقف بأجل

58 - إذا صدر الوقف مؤقّتاً، وذلك بأن علّق فسخه على مجيء زمن معيّن، كما لو قال‏:‏ «داري وقف إلى سنة، أو إلى أن يقدم الحاجّ»‏.‏ فقد اختلف الفقهاء في حكمه، فيرى الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّه لا يصحّ؛ لأنّ الوقف مقتضاه التّأبيد‏.‏ ويرى المالكيّة، وهو قول للحنابلة، أنّه لا يشترط في صحّة الوقف التّأبيد، فيصحّ مدّةً معيّنةً، ثمّ يرجع ملكاً كما كان‏.‏

تأقيت البيع

59 - لمّا كان البيع هو مبادلة المال بالمال بالتّراضي، وكان حكمه هو ثبوت الملك للمشتري في المبيع، وللبائع في الثّمن للحالّ ولمّا كان هذا الملك يثبت له على التّأبيد، فإنّه لا يحتمل التّأقيت جاء في الأشباه والنّظائر للسّيوطيّ‏:‏ «أنّ ممّا لا يقبل التّأقيت بحال، ومتى أقّت بطل، البيع بأنواعه»‏.‏‏.‏‏.‏ وذلك كما قال الكاسانيّ‏:‏ «لأنّ عقود تمليك الأعيان لا تصحّ مؤقّتةً»‏.‏ وقد أبطل الفقهاء كلّ شرط يؤدّي إلى تأقيت البيع، أي إلى عودة المبيع إلى بائعه الأوّل، سواء كان هذا التّأقيت ناتجاً عن الصّيغة، كبعتك هذا سنةً، أو عن شرط يؤدّي إلى توقيت البيع، كبعتك هذا بشرط أن تردّه لي بعد مدّة كذا‏.‏

بيوع الآجال عند المالكيّة

60 - وهي بيوع دخل فيها الأجل، واتّحدت فيها السّلعة، واتّحد فيها المتعاقدان، وقد أبرزها فقهاء المالكيّة، وبيّنوا أنّ هذه البيوع ظاهرها الجواز، لكنّها قد تؤدّي إلى ممنوع، وذلك لأنّها قد تؤدّي إلى بيع وسلف، أو سلف جرّ منفعةً، وكلاهما ممنوع، كما وضعوا ضابطاً لما يمنع من هذه البيوع‏.‏ فقالوا‏:‏ يمنع من هذه البيوع ما اشتمل على بيع وسلف، وما اشتمل على سلف جرّ منفعةً، أو يمنع منها ما كثر قصد النّاس إليه للتّوصّل إلى الرّبا الممنوع، كبيع وسلف، وسلف بمنفعة، ولا يمنع ما قلّ قصده، كضمان بجعل، أي كبيع جائز أدّى إلى ضمان بجعل‏.‏

صور بيوع الآجال

61 - وصورها كما ذكرها المالكيّة متعدّدة، وتشمل الصّور التّالية‏:‏ إذا باع شيئاً لأجل، ثمّ اشتراه بجنس ثمنه فهذا إمّا أن يكون‏:‏

1 - نقداً‏.‏

2 - أو لأجل أقلّ‏.‏

3 - أو لأجل أكثر‏.‏

4 - أو لأجل مساو للأجل الأوّل‏.‏

وكلّ ذلك إمّا أن يكون‏:‏

1 - بمثل الثّمن الأوّل‏.‏

2 - أو أقلّ من الثّمن الأوّل‏.‏

3 - أو أكثر من الثّمن الأوّل‏.‏ فتكون هذه الصّور اثنتي عشرة صورةً، يمنع من هذه الصّور ثلاث فقط وهي ما تعجّل فيه الأقلّ، وهي‏:‏

1 - ما إذا باع سلعةً لأجل، ثمّ اشتراها بأقلّ نقداً ‏(‏بيع العينة‏)‏‏.‏

2 - وما إذا باع سلعةً لأجل ثمّ اشتراها لأجل دون الأجل الأوّل‏.‏

3 - وما إذا باع سلعةً لأجل ثمّ اشتراها لأجل أبعد من الأجل الأوّل، وعلّة المنع في هذه الصّور هي دفع قليل في كثير، وهو سلف بمنفعة، إلاّ أنّه في الصّورتين الأوليين من البائع، وفي الأخيرة من المشتري، وأمّا الصّور التّسع الباقية فجائزة‏.‏ والضّابط أنّه إذا تساوى الأجلان أو الثّمنان فالجواز، وإن اختلف الأجلان والثّمنان فينظر إلى اليد السّابقة بالعطاء، فإن دفعت قليلاً عاد إليها كثيراً فالمنع، وإلاّ فالجواز‏:‏

62 - فمن صور «بيوع الآجال» بيع العينة‏.‏ وبيع العينة قال الرّافعيّ‏:‏ هو أن يبيع شيئاً من غيره بثمن مؤجّل، ويسلّمه إلى المشتري، ثمّ يشتريه قبل قبض الثّمن بثمن نقد أقلّ من ذلك القدر وقال ابن رسلان في شرح السّنن‏:‏ وسمّيت هذه المبايعة عينةً لحصول النّقد لصاحب العينة؛ لأنّ العين هو المال الحاضر، والمشتري إنّما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه من فوره، ليصل به إلى مقصوده، وقد روي عدم جواز بيع العينة عن ابن عبّاس وعائشة وابن سيرين والشّعبيّ والنّخعيّ، وبه قال الثّوريّ والأوزاعيّ وأبو حنيفة ومالك وإسحاق وأحمد‏.‏ وقد استدلّوا بأحاديث، منها‏:‏ ما روي عن ابن عمر أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إذا ضنّ النّاس بالدّينار والدّرهم وتبايعوا بالعينة، واتّبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل اللّه، أنزل اللّه بهم بلاءً، فلا يرفعه حتّى يراجعوا دينهم»‏.‏ رواه أحمد وأبو داود، ولفظه‏:‏ «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزّرع، وتركتم الجهاد، سلّط اللّه عليكم ذلّاً لا ينزعه حتّى ترجعوا إلى دينكم»‏.‏ واستدلّ ابن القيّم على عدم جواز بيع العينة بما روي عن الأوزاعيّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «يأتي على النّاس زمان يستحلّون الرّبا بالبيع»‏.‏ قال‏:‏ وهذا الحديث وإن كان مرسلاً فإنّه صالح للاعتضاد به بالاتّفاق، وله من المسندات ما يشهد له، وهي الأحاديث الدّالّة على تحريم العينة، فإنّه من المعلوم أنّ العينة عند من يستعملها إنّما يسمّيها بيعاً، وقد اتّفقا على حقيقة الرّبا الصّريح قبل العقد، ثمّ غيّر اسمها إلى المعاملة، وصورتها إلى التّبايع الّذي لا قصد لهما فيه ألبتّة، وإنّما هو حيلة ومكر وخديعة للّه تعالى‏.‏ وأجاز الشّافعيّة هذا البيع مستدلّين على الجواز بما وقع من ألفاظ البيع، ولأنّه ثمن يجوز بيعها به من غير بائعها، فجاز من بائعها، كما لو باعها بثمن المثل، ولم يأخذوا بالأحاديث المتقدّمة‏.‏

تأقيت الهبة

63 - اتّفق الفقهاء على أنّ الهبة لا يجوز توقيتها لأنّها عقد تمليك لعين في الحال، وتمليك الأعيان لا يصحّ مؤقّتاً، كالبيع‏.‏ فلو قال‏:‏ وهبتك هذا سنةً ثمّ يعود إليّ، لم يصحّ‏.‏ وقد استثنى بعض الفقهاء من ذلك العمرى والرّقبى على خلاف وتفصيل موطنه في مصطلحيهما‏.‏

تأقيت النّكاح

تأقيت النّكاح له صور نبيّنها ونبيّن آراء الفقهاء في كلّ صورة منها‏:‏

أ - ‏(‏نكاح المتعة‏)‏‏:‏

64 - وهو أن يقول لامرأة خالية من الموانع‏:‏ أتمتّع بك مدّة كذا وقد ذهب إلى حرمته الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وكثير من السّلف‏.‏ وتفصيله في نكاح المتعة

ب - ‏(‏النّكاح المؤقّت أو النّكاح لأجل‏)‏‏:‏

65 - وهو أن يتزوّج امرأة بشهادة شاهدين إلى عشرة أيّام مثلاً‏.‏ وهذا النّكاح أيضاً باطل عند الحنفيّة ‏(‏عدا زفر فإنّه قال بصحّة العقد وبطلان الشّرط‏)‏ والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة لأنّه في معنى المتعة‏.‏ وتفصيل أحكامه في موضع آخر ‏(‏ر‏:‏ نكاح‏)‏‏.‏

ج - النّكاح المؤقّت بمدّة عمره أو عمرها، أو إلى مدّة لا يعيشان إليها‏:‏

66 - اختلف الفقهاء في حكم النّكاح المؤقّت إلى مدّة عمر الزّوج أو الزّوجة أو إلى مدّة لا يعيشان أو أحدهما إليها‏:‏ فيرى الحنفيّة غير الحسن بن زياد والمالكيّة غير أبي الحسن والشّافعيّة غير البلقينيّ والحنابلة أنّه باطل، لأنّه في معنى نكاح المتعة، ويرى الحسن بن زياد أنّهما إذا ذكرا من الوقت ما يعلم أنّهما لا يعيشان إليه، كمائة سنة أو أكثر، كان النّكاح صحيحاً؛ لأنّه في معنى التّأبيد، وهو رواية عن أبي حنيفة‏.‏ ويرى البلقينيّ أنّه يستثنى من بطلان النّكاح ما إذا نكحها مدّة عمره، أو مدّة عمرها، قال‏:‏ فإنّ النّكاح المطلق لا يزيد على ذلك، والتّصريح بمقتضى الإطلاق لا يضرّ، فينبغي أن يصحّ النّكاح في هاتين الصّورتين، قال‏:‏ وفي نصّ الأمّ ما يشهد له، وتبعه على ذلك بعض المتأخّرين‏.‏ وجاء في حاشية الدّسوقيّ أنّ «ظاهر كلام أبي الحسن أنّ الأجل البعيد الّذي لا يبلغه عمرهما لا يضرّ بخلاف ما يبلغه عمر أحدهما فيضرّ»‏.‏

د - ‏(‏إضمار الزّوج تأقيت النّكاح‏)‏‏:‏

67 - صرّح الحنفيّة والشّافعيّة بأنّه لو تزوّج وفي نيّته أن يطلّقها بعد مدّة نواها صحّ زواجه، لكن الشّافعيّة قالوا بكراهة النّكاح، إذ كلّ ما صرّح به أبطل يكون إضماره مكروهاً عندهم كما قال المالكيّة إنّ الأجل إذا لم يقع في العقد، ولم يعلمها الزّوج بذلك، وإنّما قصده في نفسه، وفهمت المرأة أو وليّها المفارقة بعد مدّة، فإنّه لا يضرّ وهذا هو الرّاجح، وإن كان بهرام صدّر في «شرحه» وفي «شامله» بالفساد إذا فهمت منه ذلك الأمر الّذي قصده في نفسه فإن لم يصرّح للمرأة ولا لوليّها بذلك ولم تفهم المرأة ما قصده في نفسه فليس نكاح متعة‏.‏ أمّا الحنابلة فقد صرّحوا بأنّه لو تزوّج الغريب بنيّة طلاقها إذا خرج، فإنّ النّكاح يبطل؛ لأنّه نكاح متعة، وهو باطل‏.‏ ولكن جاء في المغني‏:‏ «وإن تزوّجها بغير شرط إلاّ أنّ في نيّته طلاقها بعد شهر، أو إذا انقضت حاجته في هذا البلد، فالنّكاح صحيح في قول عامّة أهل العلم إلاّ الأوزاعيّ، قال‏:‏ هو نكاح متعة‏.‏ والصّحيح أنّه لا بأس به، ولا تضرّ نيّته، وليس على الرّجل أن ينوي حبس امرأته، وحسبه إن وافقته وإلاّ طلّقها‏.‏

هـ - ‏(‏احتواء النّكاح على وقت يقع فيه الطّلاق‏)‏‏:‏

68 - إذا تزوّج امرأةً بشرط أن يطلّقها في وقت معيّن، لم يصحّ النّكاح، وسواء كان معلوماً أو مجهولاً، مثل أن يشترط عليه طلاقها إن قدم أبوها أو أخوها، وقال أبو حنيفة‏:‏ يصحّ النّكاح، ويبطل الشّرط، وهو أظهر قولي الشّافعيّ، قاله في عامّة كتبه؛ لأنّ النّكاح وقع مطلقاً، وإنّما شرط على نفسه شرطاً، وذلك لا يؤثّر فيه، كما لو شرط ألاّ يتزوّج عليها أو لا يسافر بها‏.‏ واستدلّ القائلون بالبطلان بأنّ هذا الشّرط مانع من بقاء النّكاح فأشبه نكاح المتعة، ويفارق ما قاسوا عليها فإنّه لم يشترط قطع النّكاح‏.‏

تأقيت الرّهن بأجل

69 - ذهب الفقهاء إلى أنّه لا يجوز تأقيت الرّهن بأجل، كأن يقول‏:‏ رهنتك هذا الشّيء شهراً، في الدّين الّذي لك عليّ‏.‏

تقسيم الأجل باعتبار ضبطه وتحديده

70 - ينقسم الأجل من حيث ضبطه وتحديده إلى أجل معلوم وأجل مجهول‏.‏ ومعلوميّة الأجل وجهالته لها أثر على صحّة العقد، وعدم صحّته، لما تورثه الجهالة من الغرر، إلاّ أنّ من الجهالة ما كان متقارباً، ومنها ما كان متفاوتاً، وفيما يلي آراء المذاهب في ذلك‏.‏

المبحث الأوّل‏:‏ الأجل المعلوم

71 - اتّفق الفقهاء على صحّة الأجل ‏(‏فيما يقبل التّأجيل‏)‏ إذا كان الأجل معلوماً فأمّا كيفيّة العلم به فإنّه يحتاج فيها إلى أن يعلم بزمان بعينه لا يختلف من شخص إلى شخص ومن جماعة إلى جماعة، وذلك إنّما يكون إذا كان محدّداً باليوم والشّهر والسّنة‏.‏ والدّليل على اشتراط معلوميّة الأجل‏:‏ قوله تعالى ‏{‏يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمًّى فاكتبوه‏}‏‏.‏ ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال في موضع شرط الأجل‏:‏ «من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» وقد انعقد الإجماع على صحّة التّأجيل إلى أجل معلوم‏.‏ ولأنّ جهالة الأجل تفضي إلى المنازعة في التّسلّم والتّسليم، فهذا يطالبه في قريب المدّة، وذاك في بعيدها، وكلّ ما يفضي إلى المنازعة يجب إغلاق بابه‏.‏ ولأنّه‏.‏ سيؤدّي إلى عدم الوفاء بالعقود، وقد أمرنا بالوفاء بها‏.‏

72 - وقد اختلف الفقهاء في حقيقة العلم بالأجل، أو معلوميّة الأجل‏:‏ فصرّح بعضهم بأنّ الأجل المعلوم هو ما يعرفه النّاس، كشهور العرب‏.‏ وبعضهم جعله ‏"‏ ما يكون معلوماً للمتعاقدين ولو حكماً، وأنّ الأيّام المعلومة للمتعاقدين كالمنصوصة، وأنّ التّأجيل بالفعل الّذي يفعل في الأيّام المعتادة كالتّأجيل بالأيّام»‏.‏ وإزاء هذين الاتّجاهين لا بدّ من بيان آراء الفقهاء في التّأجيل إلى أزمنة معلومة حقيقةً أو حكماً، أو إلى فصول أو مناسبات، أو إلى فعل يقع في أزمنة معتادة‏.‏

التّأجيل إلى أزمنة منصوصة

73 - اتّفق الفقهاء على صحّة التّأجيل إلى أزمنة منصوصة، كما لو قال ‏"‏ خذ هذا الدّينار سلماً في إردبّ قمح إلى أوّل شهر رجب من هذا العام، أو آخذه منك بعد عشرين يوماً»‏.‏ والأصل في التّأجيل إلى الشّهور والسّنين عند الإطلاق أن تكون هلاليّةً، فإذا ضرب أجلاً مدّته شهر أو شهران، أو سنة أو سنتان، مثلاً، انصرف عند الإطلاق إلى الأشهر والسّنين الهلاليّة، وذلك لأنّه عرف الشّرع، قال تعالى‏:‏ ‏{‏يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس والحجّ‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إنّ عدّة الشّهور عند اللّه اثنا عشر شهراً في كتاب اللّه يوم خلق السّموات والأرض منها أربعة حرم‏}‏ وقد صرّح بهذا الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏

التّأجيل بغير الشّهور العربيّة

74 - إذا جعل الأجل مقدّراً بغير الشّهور الهلاليّة فذلك قسمان‏:‏ القسم الأوّل‏:‏ ما يعرفه المسلمون، وهو بينهم مشهور، ككانون وشباط‏.‏ فقد جاز ذلك عند جمهور الفقهاء ‏(‏الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏)‏ لأنّه أجل معلوم لا يختلف، فصار كالتّأجيل بالشّهور الهلاليّة‏.‏ القسم الثّاني‏:‏ ما قد لا يعرفه المسلمون كالتّأجيل إلى النّيروز والمهرجان ونحوهما فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز التّأجيل إليه‏.‏

التّأجيل بالأشهر بإطلاق

75 - إذا جعل التّأجيل بالأشهر، دون النّصّ على أنّها هلاليّة أو روميّة أو فارسيّة، فإنّ الفقهاء ‏(‏الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏)‏ قد اتّفقوا على أنّه عند التّأجيل بالأشهر بإطلاق تنصرف إلى الهلاليّة، وذلك لأنّ الشّهور في عرف الشّرع شهور الأهلّة، بدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنّ عدّة الشّهور عند اللّه اثنا عشر شهراً في كتاب اللّه يوم خلق السّموات والأرض منها أربعة حرم‏}‏ وأراد الهلاليّة، فعند الإطلاق يحمل العقد عليها، واحتساب هذه المدّة إذا وقع العقد في أوّل الشّهر من أوّله‏.‏ أمّا إذا لم يقع في أوّله، فإمّا أن يكون لشهر أو أكثر، أو سنة‏.‏ فإن كان لشهر، فإن وقع العقد في غرّة الشّهر، يقع على الأهلّة بلا خلاف، حتّى لو نقص الشّهر يوماً كان عليه كمال الأجرة؛ لأنّ الشّهر اسم للهلال، وإن وقع بعدما مضى بعض الشّهر، ففي إجارة الشّهر يقع على ثلاثين يوماً بالإجماع، لتعذّر اعتبار الأهلّة، فتعتبر الأيّام‏.‏ وأمّا في إجارة ثلاثة أشهر مثلاً فإنّهم قد اختلفوا، فقد قيل‏:‏ تكمل شهرين بالهلال، وشهراً بالعدد ثلاثين يوماً، وهو رأي للحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وقيل تكون الثّلاثة كلّها عدديّةً، وهو رأي لأبي حنيفة، ورأي عند الحنابلة، ومثل ذلك في إجارة السّنة مثلاً‏.‏

بدء احتساب مدّة الأجل

76 - يبدأ احتساب مدّة الأجل من الوقت الّذي حدّده المتعاقدان فإن لم يحدّدا كان من وقت العقد‏.‏

التّأجيل بأعياد المسلمين

77 - إذا وقع التّأجيل إلى الأعياد جاز إذا كان العيد محدّداً معلوماً، كعيد الفطر، وعيد الأضحى، فهذا يصحّ التّأجيل إليه‏.‏

التّأجيل إلى ما يحتمل أحد أمرين

78 - إذا وقع الأجل بما يحتمل أمرين صرف إلى أوّلهما، كما صرّح الشّافعيّة ‏(‏على الأصحّ عندهم‏)‏ والحنابلة، كتأجيله بالعيد، أو جمادى، أو ربيع، أو نفر الحجّ؛ لأنّ العيد عيد الفطر وعيد الأضحى، وجمادى الأولى والثّانية، وربيع الأوّل والثّاني، ونفر الحجّ ثاني أيّام التّشريق وثالثها، فيحمل على الأوّل من ذلك، لتحقّق الاسم به‏.‏ والثّاني‏:‏ لا، بل يفسده، لتردّده بين الأوّل والثّاني‏.‏

التّأجيل إلى مواسم معتادة

79 - اختلف الفقهاء في جوازه، كالحصاد، والدّياس، والجذاذ، وقدوم الحاجّ، إلى رأيين‏:‏ يرى الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وابن المنذر أنّه لا يجوز التّأجيل إلى هذه الأشياء‏.‏ واستدلّوا بما روي عن ابن عبّاس أنّه قال‏:‏ لا تتبايعوا إلى الحصاد والدّياس، ولا تتبايعوا إلاّ إلى شهر معلوم‏.‏ ولأنّ التّأجيل بذلك يختلف، ويقرب ويبعد، فالحصاد والجذاذ يتأخّران أيّاماً إن كان المطر متواتراً، ويتقدّمان بحرّ الهواء وعدم المطر، وأمّا العطاء فقد ينقطع جملةً‏.‏

80 - وقد اختلف هؤلاء الفقهاء في أثر اشتراط التّأجيل إلى أجل مجهول جهالةً متقاربةً‏.‏ فيرى الحنفيّة أنّه لا يجوز البيع إلى أجل مجهول سواء كانت الجهالة متقاربةً كالحصاد والدّياس مثلاً، أو متفاوتةً، كهبوب الرّيح وقدوم واحد من سفر، فإن أبطل المشتري الأجل المجهول التّقارب قبل محلّه، وقبل فسخ العقد بالفساد، انقلب البيع جائزاً عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّد، وعند زفر لا ينقلب، ولو مضت المدّة قبل إبطال الأجل تأكّد الفساد، ولا ينقلب جائزاً بإجماع علماء الحنفيّة، ويرى الشّافعيّة فساد العقد، وذلك لأنّه يشترط عندهم في المؤجّل العلم بالأجل، بأن يكون معلوماً مضبوطاً، فلا يجوز بما يختلف، كالحصاد وقدوم الحاجّ، للحديث «من أسلم في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم»‏.‏ ‏(‏متّفق عليه‏)‏ ولأنّ ذلك غير معلوم، لأنّه يتقدّم ويتأخّر‏.‏ ويرى الحنابلة أنّه يلغو التّأجيل ويصحّ العقد، وذلك لأنّهم يشترطون أن يكون الأجل مقدّراً بزمن معلوم، فإن شرط خياراً أو أجلاً مجهولين - بأن باعه بشرط الخيار وأطلق، أو إلى الحصاد ونحوه، أو بثمن مؤجّل إلى الحصاد ونحوه - لم يصحّ الشّرط وصحّ البيع، وللّذي فات غرضه بفساد الشّرط من بائع ومشتر - سواء علم بفساد الشّرط أو لا - أحد أمرين‏:‏ فسخ البيع؛ لأنّه لم يسلّم له ما دخل عليه من الشّرط، أو أرش، ‏(‏أي تعويض‏)‏ ما نقص من الثّمن بإلغاء الشّرط إن كان المشترط بائعاً، أو ما زاد إن كان مشترياً - يعني إذا اشترى بزيادة على الثّمن‏.‏ أمّا في السّلم فإنّه لا يصحّ العقد إذا وقع التّأجيل بذلك، وذلك لفوات شرط صحّته، وهو الأجل المعلوم، لاختلاف هذه الأشياء‏.‏ ويرى المالكيّة أنّه يجوز التّأجيل إليه، ويعتبر في الحصاد والدّياس ونحوهما ميقات معظمه، أي الوقت الّذي يحصل فيه غالب ما ذكر، وهو وسط الوقت المعدّ لذلك، وسواء وجدت الأفعال في بلد العقد، أو عدمت - أي لم توجد - فالمراد وجود الوقت الّذي يغلب فيه الوقوع‏.‏ ونحوه ما ذكره ابن قدامة في رواية أخرى عن الإمام أحمد أنّه قال‏:‏ أرجو ألاّ يكون به بأس‏.‏ وبه قال أبو ثور، وعن ابن عمر أنّه كان يبتاع إلى العطاء، وبه قال ابن أبي ليلى‏.‏ وقال أحمد‏:‏ إن كان شيء يعرف فأرجو، وكذلك إن قال إلى قدوم الغزاة، وهذا محمول على أنّه أراد وقت العطاء، لأنّ ذلك معلوم‏.‏ فأمّا نفس العطاء فهو في نفسه مجهول، يختلف، ويتقدّم ويتأخّر، ويحتمل أنّه أراد نفس العطاء، لكونه يتفاوت أيضاً، فأشبه الحصاد‏.‏ واحتجّ من أجاز ذلك بأنّه أجل يتعلّق بوقت من الزّمن يعرف في العادة، لا يتفاوت فيه تفاوتاً كبيراً، فأشبه ما إذا قال رأس السّنة‏.‏

الأجل المجهول التّأجيل إلى فعل غير منضبط الوقوع

81 - اتّفق الفقهاء على عدم جواز التّأجيل إلى ما لا يعلم وقت وقوعه - حقيقةً أو حكماً - ولا ينضبط، وهو الأجل المجهول، وذلك كما لو باعه بثمن مؤجّل إلى قدوم زيد من سفره، أو نزول مطر، أو هبوب ريح‏.‏ وكذا إذا باعه إلى ميسرة، وقد استدلّوا على عدم جواز هذا النّوع من الأجل بالآثار الّتي استدلّ بها على عدم جواز التّأجيل بالفعل الّذي يقع في زمان معتاد، كالحصاد والدّياس، بل هذا النّوع أولى؛ لأنّ الجهالة هناك متقاربة، وهنا الجهالة فيها متفاوتة‏.‏ ولأنّ التّأجيل بمثل ذلك غير معلوم؛ لأنّ ذلك يختلف‏:‏ يقرب ويبعد، يتقدّم ويتأخّر، ولأنّ جهالته تفضي إلى المنازعة في التّسليم والتّسلّم، فهذا يطالبه في قريب المدّة، وذاك في بعيدها؛ ولأنّ الأجل المجهول لا يفيد؛ لأنّه يؤدّي إلى الغرر‏.‏

أثر التّأجيل إلى أجل مجهول جهالةً مطلقةً

82 - سبق بيان اتّفاق الفقهاء على عدم جواز التّأجيل إلى أجل مجهول جهالةً مطلقةً‏.‏ واختلفوا في أثر هذا التّأجيل على التّصرّف فيرى الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة، وهو رأي للحنابلة، أنّه لا يصحّ العقد أيضاً، وذلك لأنّه أجل فاسد فأفسد العقد؛ لأنّ المتعاقدين رضيا به مؤجّلاً إلى هذا الأجل، وإذا لم يصحّ الأجل، فالقول بصحّته حالّاً يخالف إرادتهما وما تراضيا عليه، والبيع - ونحوه - يقوم على التّراضي، فأفسد العقد‏.‏ غير أنّ الحنفيّة يرون أنّه إن أبطل المشتري الأجل المجهول المتفاوت قبل التّفرّق، ونقد الثّمن، انقلب جائزاً، وعند زفر لا ينقلب جائزاً، ولو تفرّقا قبل الإبطال تأكّد الفساد، ولا ينقلب جائزاً بإجماع الحنفيّة‏.‏ ويرى الحنابلة أنّ الأجل المجهول في البيع يفسد، ويصحّ البيع، وفي السّلم يفسد الأجل والسّلم، وقد استدلّوا على صحّة البيع وبطلان الأجل المجهول بما روي عن «عائشة أنّها قالت‏:‏ جاءتني بريرة، فقالت كاتبت أهلي على تسع أواق، في كلّ عام أوقيّة، فأعينيني‏.‏ فقلت‏:‏ إن أحبّ أهلك أن أعدّها لهم عدّةً واحدةً، ويكون ولاؤك لي فعلت‏.‏ فذهبت بريرة إلى أهلها، فقالت لهم، فأبوا عليها‏.‏ فجاءت من عندهم ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم جالس، فقالت‏:‏ إنّي عرضت عليهم فأبوا إلاّ أن يكون الولاء لهم‏.‏ فسمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ فأخبرت عائشة النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ خذيها واشترطي لهم الولاء، فإنّما الولاء لمن أعتق ففعلت عائشة، فقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في النّاس فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال‏:‏ أمّا بعد فما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب اللّه تعالى‏؟‏ ما كان من شرط ليس في كتاب اللّه فهو باطل، وإن كان مائة شرط‏.‏ قضاء اللّه أحقّ‏.‏ وشرط اللّه أوثق‏.‏ وإنّما الولاء لمن أعتق» متّفق عليه، فأبطل الشّرط ولم يبطل العقد‏.‏ قال ابن المنذر‏:‏ خبر بريرة ثابت، ولا نعلم خبراً يعارضه‏.‏ فالقول به يجب‏.‏

الاعتياض عن الأجل بالمال

يرد الاعتياض عن الأجل بالمال في صور منها ما يلي‏:‏

الصّورة الأولى‏:‏

83 - صدور إيجاب مشتمل على صفقتين، إحداهما بالنّقد، والأخرى بالنّسيئة، مثل أن يقول بعتك هذا نقداً بعشرة، وبالنّسيئة بخمسة عشر‏.‏ يرى جمهور العلماء أنّ هذا البيع إذا صدر بهذه الصّيغة لا يصحّ، لأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة،» جاء في الشّرح الكبير‏:‏ «كذلك فسّره مالك والثّوريّ، وإسحاق، وهذا قول أكثر أهل العلم؛ لأنّه لم يجزم له ببيع واحد، أشبه ما لو قال بعتك أحد هذين؛ ولأنّ الثّمن مجهول فلم يصحّ، كالبيع بالرّقم المجهول ‏"‏، وقد روي عن طاوس والحكم وحمّاد أنّهم قالوا‏:‏ لا بأس أن يقول‏:‏ أبيعك بالنّقد بكذا، وبالنّسيئة بكذا، فيذهب إلى أحدهما‏.‏ فيحتمل أنّه جرى بينهما بعدما يجري في العقد، فكأنّ المشتري قال‏:‏ أنا آخذه بالنّسيئة بكذا، فقال‏:‏ خذه، أو قال‏:‏ قد رضيت، ونحو ذلك، فيكون عقداً كافياً، فيكون قولهم كقول الجمهور، فعلى هذا‏:‏ إن لم يوجد ما يدلّ على الإيجاب أو ما يقوم مقامه لم يصحّ؛ لأنّ ما مضى من القول لا يصلح أن يكون إيجاباً، فهذا الخلاف الوارد في صحّة هذا البيع مصدره الصّيغة الصّادرة مشتملة على صيغتين في آن واحد، فلم يجزم البائع ببيع واحد؛ ولأنّ الثّمن مجهول هل هو عشرة أو خمسة عشر‏.‏ وإذا كان الإيجاب غير جازم لا يصلح، ويكون عرضاً، فإذا قبل الموجّه إليه العرض إحدى الصّفقتين كان إيجاباً موجّهاً إلى الطّرف الأوّل، فإن قبل تمّ العقد، وإلاّ لم يتمّ‏.‏

‏(‏ الصّورة الثّانية‏)‏‏:‏

84 - وهي بيع الشّيء بأكثر من سعر يومه لأجل النّساء‏.‏ يرى جمهور الفقهاء جواز بيع الشّيء بأكثر من سعر يومه لأجل النّساء، وذلك لعموم الأدلّة القاضية بجواز البيع‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وأحلّ اللّه البيع‏}‏ وهو عامّ في إباحة سائر البياعات إلاّ ما خصّ بدليل، ولا يوجد دليل يخصّص هذا العموم‏.‏

‏(‏الصّورة الثّالثة‏)‏‏:‏

وهي تأجيل الدّين الحالّ في مقابل زيادة‏:‏

85 - وهذه الصّورة تدخل في باب الرّبا ‏"‏ إذ الرّبا المحرّم شرعاً شيئان‏:‏ ربا النّساء، وربا التّفاضل‏.‏ وغالب ما كانت العرب تفعله، من قولها للغريم‏:‏ أتقضي أم تربي‏؟‏ فكان الغريم يزيد في المال، ويصبر الطّالب عليه، وهذا كلّه محرّم باتّفاق الأمّة»‏.‏ قال الجصّاص‏:‏ معلوم أنّ ربا الجاهليّة إنّما كان قرضاً مؤجّلاً بزيادة مشروطة، فكانت الزّيادة بدلاً من الأجل، فأبطله اللّه تعالى وحرّمه، وقال‏:‏ ‏{‏وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وذروا ما بقي من الرّبا‏}‏ حظر أن يؤخذ للأجل عوض، ولا خلاف أنّه لو كان عليه ألف درهم حالّةً، فقال له‏:‏ أجّلني وأزيدك فيها مائة درهم، لا يجوز؛ لأنّ المائة عوض من الأجل»‏.‏

الصّورة الرّابعة‏:‏

وهي تعجيل الدّين المؤجّل في مقابل التّنازل عن بعضه «ضع وتعجّل»‏.‏ 86 - يرى جمهور الفقهاء أنّه إذا كان لرجل على آخر دين مؤجّل، فقال المدين لغريمه‏:‏ ضع عنّي بعضه وأعجّل لك بقيّته، فإنّ ذلك لا يجوز عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏ وكرهه زيد بن ثابت، وابن عمر، والمقداد، وسعيد بن المسيّب، وسالم، والحسن، وحمّاد، والحكم، والثّوريّ، وهشيم، وابن عليّة، وإسحاق‏.‏ فقد روي أنّ رجلاً سأل ابن عمر فنهاه عن ذلك‏.‏ ثمّ سأله، فقال‏:‏ إنّ هذا يريد أن أطعمه الرّبا‏.‏ وروي عن زيد بن ثابت أيضاً النّهي عن ذلك‏.‏ وروي أنّ المقداد قال لرجلين فعلا ذلك‏:‏ كلاكما قد أذن بحرب من اللّه ورسوله‏.‏ واستدلّ جمهور الفقهاء على بطلان ذلك بشيئين‏:‏ أحدهما‏:‏ تسمية ابن عمر إيّاه ربا، ومثل ذلك لا يقال بالرّأي وأسماء الشّرع توقيف‏.‏ والثّاني‏:‏ أنّه معلوم أنّ ربا الجاهليّة إنّما كان قرضاً مؤجّلاً بزيادة مشروطة، فكانت الزّيادة بدلاً من الأجل، فأبطله اللّه تعالى، وحرّمه، وقال‏:‏ ‏{‏وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وذروا ما بقي من الرّبا‏}‏ حظر أن يؤخذ للأجل عوض‏.‏ فإذا كانت عليه ألف درهم مؤجّلة، فوضع عنه على أن يعجّله، فإنّما جعل الحطّ مقابل الأجل، فكان هذا هو معنى الرّبا الّذي نصّ اللّه تعالى على تحريمه‏.‏ ولا خلاف أنّه لو كان عليه ألف درهم حالّة، فقال له‏:‏ أجّلني وأزيدك فيها مائة درهم، لا يجوز؛ لأنّ المائة عوض من الأجل، كذلك الحطّ في معنى الزّيادة، إذ جعله عوضاً من الأجل، وهذا هو الأصل في امتناع جواز أخذ الأبدال عن الآجال‏.‏ فحرمة ربا النّساء ليست إلاّ لشبهة مبادلة المال بالأجل وإذا كانت شبهة الرّبا موجبةً للحرمة فحقيقته أولى بذلك‏.‏ وأيضاً فإنّه لا يمكن حمل هذا على إسقاط الدّائن لبعض حقّه؛ لأنّ المعجّل لم يكن مستحقّاً بالعقد، حتّى يكون استيفاؤه استيفاءً لبعض حقّه، والمعجّل خير من المؤجّل لا محالة، فيكون ‏(‏فيما لو كانت له عليه ألف مؤجّلة فصالحه على خمسمائة حالّة‏)‏ خمسمائة في مقابل مثله من الدّين، وصفة التّعجيل في مقابلة الباقي - وهو الخمسمائة - وذلك اعتياض عن الأجل، وهو حرام‏.‏ وأيضاً لأنّ الأجل صفة، كالجودة، والاعتياض عن الجودة لا يجوز، فكذا عن الأجل‏.‏ ويقول ابن قدامة‏:‏ إنّه بيع الحلول، فلم يجز، كما لو زاده الّذي له الدّين، فقال له‏:‏ أعطيك عشرة دراهم وتعجّل لي المائة الّتي عليك، ويقول صاحب الكفاية‏:‏ والأصل فيه أنّ الإحسان متى وجد من الطّرفين يكون محمولاً على المعاوضة - كهذه المسألة - فإنّ الدّائن أسقط من حقّه خمسمائة، والمديون أسقط حقّه في الأجل في الخمسمائة الباقية، فيكون معاوضةً بخلاف ما إذا صالح من ألف على خمسمائة، فإنّه يكون محمولاً على إسقاط بعض الحقّ، دون المعاوضة؛ لأنّ الإحسان لم يوجد إلاّ من طرف ربّ الدّين‏.‏ وروي عن ابن عبّاس أنّه لم ير بأساً بهذا «ضع عنّي وتعجّل»، وروي ذلك عن النّخعيّ، وأبي ثور؛ لأنّه آخذ لبعض حقّه، تارك لبعضه، فجاز كما لو كان الدّين حالّاً، واستثنى من ذلك الحنفيّة والحنابلة ‏(‏وهو قول الخرقيّ من علمائهم‏)‏ أنّه يجوز أن يصالح المولى مكاتبه على تعجيل بدل الكتابة في مقابل الحطّ منه، وذلك لأنّ معنى الإرفاق فيما بينهما أظهر من معنى المعاوضة، فلا يكون هذا في مقابلة الأجل ببعض المال، ولكن إرفاق من المولى بحطّ بعض المال، ومساهلة من المكاتب فيما بقي قبل حلول الأجل ليتوصّل إلى شرف الحرّيّة؛ ولأنّ المعاملة هنا هي معاملة المكاتب مع سيّده، وهو يبيع بعض ماله ببعض، فدخلت المسامحة فيه، بخلاف غيره‏.‏

اختلاف المتعاقدين في الأجل

87 - اختلاف المتعاقدين في الأجل إمّا أن يكون في أصل الأجل، أو في مقداره، أو في حلوله، أو في مضيّه وفيما يلي آراء الفقهاء في ذلك‏:‏

الاختلاف في أصل الأجل في البيع‏:‏

88 - إذا اختلف المتعاقدان في أصل الأجل، بأن قال المشتري‏:‏ اشتريته بدينار مؤجّل، وأنكره البائع - فإنّ الفقهاء قد اختلفوا‏:‏ فيرى الحنفيّة والحنابلة أنّ القول لمن ينفي الأجل، وهو البائع، مع يمينه، وذلك لأنّ الأصل الحلول‏.‏ والبيّنة على المشتري؛ لأنّه يثبت خلاف الظّاهر، والبيّنات للإثبات، ويرى المالكيّة أنّه يعمل بالعرف باليمين، سواء أكانت السّلعة قائمةً أو فاتت‏.‏ فإن لم يكن عرف تحالفا وتفاسخا إن كانت قائمةً، فتردّ السّلعة لبائعها، وإن لم تكن قائمةً صدّق المشتري بيمين إن ادّعى أجلاً قريباً لا يتّهم فيه، وإلاّ فالقول للبائع إن حلف‏.‏ ويرى الشّافعيّة، وهو رواية في مذهب الحنابلة، أنّهما يتحالفان، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لو يعطى النّاس بدعواهم لادّعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدّعى عليه»‏.‏ رواه مسلم، وكلّ منهما مدّعًى عليه، كما أنّه مدّع‏.‏ ولأنّهما اختلفا في صفة العقد، فوجب أن يتحالفا، قياساً على الاختلاف في الثّمن‏.‏

الاختلاف في مقدار الأجل

89 - إذا اختلف المتعاقدان في مقدار الأجل، كما إذا قال البائع بعتكه بثمن مؤجّل إلى شهر، ويدّعي المشتري أكثر من ذلك، فإنّ الفقهاء اختلفوا فيه‏:‏ فيرى الحنفيّة والحنابلة أنّ القول قول مدّعي الأقلّ، لإنكاره الزّيادة، والبيّنة للمشتري، لأنّه يثبت خلاف الظّاهر، والبيّنات لإثبات خلاف الظّاهر‏.‏ ويرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‏(‏في رواية أخرى‏)‏ أنّهما يتحالفان، للحديث المتقدّم؛ ولأنّ كلّاً منهما مدّعًى عليه، كما أنّه مدّع، فإذا تحالفا فعند المالكيّة فسخ العقد إن كانت السّلعة قائمةً - على المشهور - إن حكم بالفسخ حاكم، أو تراضيا عليه، وتعود السّلعة على ملك البائع حقيقةً، ظالماً أو مظلوماً‏.‏ وقيل يحصل الفسخ بمجرّد التّحالف، كاللّعان، ولا يتوقّف على حكم‏.‏ وحلف المشتري إن فات المبيع كلّه، فإن فات البعض فلكلّ حكمه‏.‏ ويرى الشّافعيّة أنّهما إذا تحالفا فالصّحيح أنّ العقد لا ينفسخ بنفس التّحالف؛ لأنّ البيّنة أقوى من اليمين، ولو أقام كلّ منهما بيّنةً لم ينفسخ فبالتّحالف أولى، بل إن تراضيا على ما قال أحدهما أقرّ العقد وإن لم يتراضيا بأن استمرّ نزاعهما فيفسخانه، أو أحدهما، أو الحاكم لقطع النّزاع، وحقّ الفسخ بعد التّحالف ليس على الفور، فلو لم يفسخا في الحال كان لهما بعد ذلك لبقاء الضّرر المحوج للفسخ‏.‏ وقيل إنّما يفسخه الحاكم؛ لأنّه فسخ مجتهد فيه فلا يفسخ أحدهما‏.‏ ومقابل الصّحيح أنّه ينفسخ بالتّحالف وتعود الحال إلى ما كانت عليه قبل العقد‏.‏

الاختلاف في انتهاء الأجل

90 - إذا اختلف المتعاقدان في مضيّ الأجل، مع اتّفاقهما على التّأجيل - كما إذا قال البائع بعتكه بثمن مؤجّل إلى شهر أوّله هلال رمضان، وقد انقضى، ويقول المشتري بل أوّله نصف رمضان فانتهاء الأجل نصف شوّال - فقد اختلف الفقهاء في حكمه‏:‏ فيرى الحنفيّة أنّ القول والبيّنة للمشتري؛ لأنّهما لمّا اتّفقا على الأجل، فالأصل بقاؤه، فكان القول للمشتري في عدم مضيّه؛ ولأنّه منكر توجّه المطالبة، وأمّا تقديم بيّنته على بيّنة البائع فلكونها أكثر إثباتاً‏.‏ ويرى المالكيّة أنّ القول لمنكر التّقضّي بيمينه؛ لأنّ الأصل بقاء الأجل، ‏"‏ أي أنّ القول لمن ادّعى بقاء الأجل، وأنكر انقضاءه، سواء كان بائعاً أو مشترياً، كان مكرياً أو مكترياً، إذا لم توجد بيّنة، فإن كان لأحدهما بيّنة عمل بها، وهذا إن أشبه قوله عادة النّاس في الأجل - أشبه الآخر أم لا - فإن لم يشبها معاً عادة النّاس حلفا، وفسخ إن كانت السّلعة قائمةً، وإلاّ فالقيمة، ويقضى للحالف على النّاكل‏.‏‏.‏‏.‏»‏.‏

مسقطات الأجل

91 - الأجل إمّا أن يكون أجل إضافة، وهو ما يترتّب على تحقّقه ترتّب أحكام التّصرّف‏.‏ أو يترتّب على تحقّقه حلول الدّين أو حلول العين فيما يصحّ إضافته من الأعيان إلى أجل، أو يكون أجل توقيت وهو الّذي يترتّب على تحقّقه انتهاء الحقّ الّذي كان له‏.‏

والمسقطات - بوجه عامّ - إمّا بطريق الإسقاط، وإمّا بطريق السّقوط‏.‏

وفيما يلي بيان ذلك‏:‏

أوّلاً‏:‏ إسقاط الأجل‏:‏

أ - إسقاط الأجل من قبل المدين‏:‏

92 - لمّا كان الأجل قد شرع رفقاً بالمدين وتمكيناً له من وفاء الدّين في الوقت المناسب له، ورعايةً لحالة العدم الّتي يتعرّض لها، كان من حقّه أن يسقط أجل الدّين، ويصبح الدّين حالّاً، وعلى الدّائن قبض الدّين‏.‏ وهذا هو رأي جمهور الفقهاء‏:‏ ‏(‏الحنفيّة مطلقاً وكذا المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إذا لم يؤدّ ذلك إلى الإضرار بالدّائن كأن كان الأداء في مكان مخوف، أو كان له حمل ومؤنة أو كان في وقت كساد‏)‏ على تفصيل في هذه المذاهب الثّلاثة يرجع إليه في مواطنه‏.‏

ب - إسقاط الأجل من قبل الدّائن‏:‏

93 - تبيّن ممّا تقدّم أنّ الأجل حقّ لمن عليه الدّين، وإذا كان حقّاً له فإنّه يستبدّ بإسقاطه، طالما أنّه لا يؤدّي هذا الإسقاط إلى ضرر بالدّائن‏.‏ أمّا الدّائن فإنّ إسقاطه الأجل يجب أن يفرّق فيه بين أجل لحق العقد وقت صدوره - كما لو باع بثمن مؤجّل - ففي هذه الحالة يكون الأجل لازماً للدّائن لأنّه التحق بصلب العقد باتّفاق الفقهاء، وبين أجل أراده الدّائن والمدين بعد صدور العقد بثمن حالّ، وهذا النّوع قد اختلف الفقهاء في لزومه للدّائن، أي أنّه لا يمكنه أن يستبدّ بإسقاطه دون الرّجوع إلى المدين‏.‏ فذهب الحنفيّة ‏(‏غير زفر‏)‏ والمالكيّة إلى أنّ من باع بثمن حالّ، ثمّ أجّله إلى أجل معلوم أنّ الثّمن يصير مؤجّلاً، كما لو باعه بثمن مؤجّل ابتداءً، ويصبح الأجل لازماً للدّائن لا يصحّ رجوعه عنه دون رضا المدين‏.‏ أمّا التّأجيل فلأنّ الثّمن حقّه، فله أن يؤخّره تيسيراً على من عليه؛ ولأنّ التّأجيل إثبات براءة مؤقّتة إلى حلول الأجل، وهو يملك البراءة المطلقة بالإبراء عن الثّمن فلأن يملك البراءة المؤقّتة أولى، وأمّا كونه لازماً له فذلك لأنّ الشّرع أثبت عن إسقاطه بالبراءة المطلقة السّقوط، والتّأجيل التزام الإسقاط إلى وقت معيّن، فيثبت شرعاً السّقوط إلى ذلك الوقت، كما ثبت شرعاً سقوطه بإسقاطه مطلقاً‏.‏ وقال زفر ‏(‏من علماء الحنفيّة‏)‏ والشّافعيّة والحنابلة‏:‏ إنّ كلّ دين حالّ لا يصير مؤجّلاً بالتّأجيل؛ لأنّه بعد أن كان حالّاً ليس إلاّ وعداً بالتّأخير، وحينئذ يكون له الحقّ في الرّجوع عنه، وكذلك اختلفوا في لزوم شرط تأجيل القرض، وقد سبق أنّ جمهور الفقهاء لا يرون تأجيله، حتّى لو اشترط فيه التّأجيل، خلافاً للمالكيّة واللّيث الّذين يرون لزومه حسب التّفصيل الّذي سبق بيانه‏.‏

ج - إسقاط الأجل بتراضي الدّائن والمدين‏:‏

94 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه إذا تراضى الدّائن والمدين على إسقاط شرط التّأجيل أنّ ذلك جائز وصحيح‏.‏

ثانياً‏:‏ سقوط الأجل

تناول الفقهاء عدّة أسباب إذا وقعت أدّت إلى سقوط شرط التّأجيل، ومنها الموت والتّفليس والإعسار، والجنون والأسر‏.‏

أ - سقوط الأجل بالموت‏:‏

95 - اختلف الفقهاء في سقوط الأجل بموت المدين أو الدّائن‏:‏ فيرى الحنفيّة والشّافعيّة أنّ الأجل يبطل بموت المدين لخراب ذمّته، ولا يبطل بموت الدّائن، سواء أكان موتاً حقيقيّاً، أم حكميّاً، وذلك لأنّ فائدة التّأجيل أن يتّجر فيؤدّي الثّمن من نماء المال، فإذا مات من له الأجل تعيّن المتروك لقضاء الدّين، فلا يفيد التّأجيل؛ ولأنّ الأجل حقّ المدين، لا حقّ صاحب الدّين، فتعتبر حياته وموته في الأجل وبطلانه‏.‏ ومثل الموت الحقيقيّ الموت الحكميّ، وذلك كما‏.‏ لو لحق مرتدّاً بدار الحرب - كما صرّح الحنفيّة - أو كالرّدّة المتّصلة بالموت أو استرقاق الحربيّ - كما صرّح الشّافعيّة‏.‏ ويرى المالكيّة ذلك، إلاّ أنّهم يستثنون ثلاث حالات‏.‏ جاء في شرح الخرشيّ‏:‏ إنّ الدّين المؤجّل على الشّخص يحلّ بفلسه أو موته على المشهور، لأنّ الذّمّة في الحالتين قد خربت، والشّرع قد حكم بحلوله؛ ولأنّه لو لم يحلّ للزم إمّا تمكين الوارث من القسم، أو عدمه، وكلاهما باطل، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏من بعد وصيّة يوصي بها أو دين‏}‏، وللضّرورة الحاصلة بوقفه‏.‏ وعلى المشهور‏:‏ لو طلب بعض الغرماء بقاءه مؤجّلاً منع من ذلك ‏"‏ وأمّا لو طلب الكلّ لكان لهم ذلك»‏.‏ ويستثنى من الموت من قتل مدينه ‏(‏عمداً‏)‏ فإنّ دينه المؤجّل لا يحلّ، لحمله على استعجال ما أجّل‏.‏ وأمّا الدّين الّذي له فلا يحلّ بفلسه ولا بموته، ولغرمائه تأخيره إلى أجله، أو بيعه الآن، ومحلّ حلول الدّين المؤجّل بالموت أو الفلس ما لم يشترط من عليه أنّه لا يحلّ عليه الدّين بذلك، وإلاّ عمل بشرطه‏.‏ قد ذكر ذلك ابن الهنديّ في الموت، وإمّا إن شرط من له أنّه يحلّ بموته على المدين فهل يعمل بشرطه، أو لا‏؟‏ والظّاهر الأوّل ‏(‏أي أنّه يعمل بشرطه‏)‏ حيث كان الشّرط غير واقع في صلب عقد البيع، فإن وقع في صلب عقد البيع فالظّاهر فساد البيع؛ لأنّه آل أمره إلى البيع بأجل مجهول، ويرى الحنابلة أنّه لا يحلّ الدّين المؤجّل بموت الدّائن، وأمّا موت المدين فلهم رأيان‏:‏ أحدهما‏:‏ أنّه يحلّ بموت المدين كما هو رأي من ذكر من الفقهاء‏.‏ والثّاني‏:‏ أنّه لا يحلّ بموته إذا وثق الورثة، فقد جاء في كشّاف القناع‏:‏ «أنّه إذا مات شخص وعليه دين مؤجّل لم يحلّ الدّين بموته إذا وثق الورثة، أو وثق غيرهم برهن أو كفيل مليء، على أقلّ الأمرين‏:‏ من قيمة التّركة أو الدّين ‏"‏، وهو قول ابن سيرين، وعبيد اللّه بن الحسن، وإسحاق، وأبي عبيد لأنّ الأجل حقّ للميّت، فورث عنه كسائر حقوقه، وكما لا تحلّ الدّيون الّتي له بموته، فتختصّ أرباب الدّيون الحالّة بالمال، ويتقاسمونه بالمحاصّة، ولا يترك منه للمؤجّل شيء، ولا يرجع ربّه عليه بعد حلوله بل على من وثّقه، فإن تعذّر التّوثّق لعدم وارث، بأن مات عن غير وارث، حلّ، ولو ضمنه الإمام، أو ‏"‏ تعذّر التّوثّق ‏"‏ لغير عدم وارث، بأن خلف وارثاً لكنّه لم يوثق، حلّ الدّين لغلبة الضّرر، فيأخذه ربّه كلّه إن اتّسعت التّركة أو يحاصص به الغرماء، ولا يسقط منه شيء في مقابلة الأجل‏.‏ وإن ضمنه ضامن وحلّ على أحدهما لم يحلّ على الآخر‏.‏ وقد استدلّ الحنابلة على قولهم بأنّ الدّين المؤجّل لا يحلّ بالموت إذا وثّق الورثة، فقالوا‏:‏ إنّ الأجل حقّ للمدين فلا يسقط بموته، كسائر حقوقه؛ ولأنّ الموت ما جعل مبطلاً للحقوق، وإنّما هو ميقات للخلافة وعلامة على الوراثة، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من ترك حقّاً أو مالاً فلورثته» وما قيل بسقوطه بالموت هو حكم مبنيّ على المصلحة، ولا يشهد لها شاهد الشّرع باعتبار، ولا خلاف في فساد هذا، فعلى هذا يبقى الدّين في ذمّة الميّت كما كان ويتعلّق بعين ماله كتعلّق حقوق الغرماء بمال المفلس عند الحجر عليه، فإن أحبّ الورثة أداء الدّين، والتزامه للغريم، على أن يتصرّفوا في المال، لم يكن لهم ذلك إلاّ أن يرضى الغريم، أو يوثّقوا الحقّ بضمين مليء، أو رهن يثق به لوفاء حقّه، فإنّهم قد لا يكونون أملياء، ولم يرض بهم الغريم، فيؤدّي إلى فوات الحقّ‏.‏ ويرى طاوس وأبو بكر بن محمّد، والزّهريّ وسعد بن إبراهيم أنّ الدّين المؤجّل لا يحلّ بموت المدين، ويبقى إلى أجله، وحكي ذلك عن الحسن‏.‏

ب - سقوط الأجل بالتّفليس‏:‏

96 - إذا حكم الحاكم بالحجر على المدين للإفلاس، فهل تحلّ ديون المفلس المؤجّلة‏؟‏ يرى الحنفيّة والحنابلة والشّافعيّة ‏(‏في الأظهر‏)‏ وهو قول للمالكيّة أنّه لا تحلّ ديون المفلس المؤجّلة؛ لأنّ الأجل حقّ للمفلس، فلا يسقط بفلسه كسائر حقوقه، ولأنّه لا يوجب حلول ماله، فلا يوجب حلول ما عليه - كالجنون والإغماء - ولأنّه دين مؤجّل على حيّ، فلم يحلّ قبل أجله، كغير المفلس، والفرق بين الفلس والموت أنّ ذمّة الميّت خربت وبطلت بخلاف المفلس‏.‏ والمشهور عند المالكيّة ورأي للشّافعيّة أنّ الدّين المؤجّل يحلّ بالإفلاس الأخصّ ‏(‏أي الشّخص الّذي حكم الحاكم بخلع ماله للغرماء‏)‏ لخراب ذمّة المفلس، ما لم يشترط المدين عدم حلوله بالتّفليس، وما لم يتّفق الغرماء جميعاً على بقاء ديونهم مؤجّلةً‏.‏ أمّا حقوق المفلس المؤجّلة قبل الغير فباتّفاق الفقهاء تبقى على حالها؛ لأنّ الأجل حقّ للغير، فليس لغير صاحبه الحقّ في إسقاطه‏.‏

ج - سقوط الأجل بالجنون‏:‏

97 - إذا جنّ من عليه الدّين المؤجّل أو من له الدّين، فهل يسقط الأجل بجنونه‏؟‏ يرى الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة جنون المدين لا يوجب حلول الدّين عليه لإمكان التّحصيل عند حلول الأجل بواسطة وليّه، فالأجل باق، ولصاحب الحقّ عند حلول الأجل مطالبة وليّه بماله‏.‏ ولأنّ الأجل حقّ للمجنون فلا يسقط بجنونه كسائر حقوقه؛ ولأنّه لا يوجب حلول ما له قبل الغير، فلا يوجب حلول ما عليه، وأمّا المالكيّة فقد نصّوا على أنّ الدّين المؤجّل يحلّ بالفلس والموت ما لم يشترط المدين عدم حلوله بهما وما لم يقتل الدّائن المدين عمداً، ولم ينصّوا على الجنون معهما ممّا يدلّ على أنّ الجنون عندهم لا يحلّ الدّين المؤجّل‏.‏

د - سقوط الأجل بالأسر أو الفقد‏:‏

98 - يرى الفقهاء الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّ الأسير في أرض العدوّ إذا علم خبره ومكانه، كان حكمه كالغائب، والغائب تبقى ديونه على ما هي عليه من تأجيل أو حلول، سواء كان دائناً أم مديناً‏.‏ أمّا إذا لم يعلم خبره ولا مكانه، فيرى الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّ حكمه حكم المفقود لأنّه حيّ في حقّ نفسه، ميّت في حقّ غيره‏.‏ ويرى المالكيّة أنّ ديونه تبقى على حالها من تأجيل أو حلول، كالغائب - ولا يأخذ حكم المفقود لأنّه قد عرف أنّه أسر؛ لأنّه إذا كانت أموال المفقود تبقى كما هي، فهو أولى بهذا الحكم‏.‏ أمّا إذا علم موت الأسير، فإنّه يأخذ حكم الميّت، وكذا إذا علم ردّته يأخذ حكم المرتدّ، وهو موت حكماً كما سبق الإشارة إلى ذلك من أنّ الآجال تسقط بموت المدين موتاً حقيقيّاً أو حكميّاً‏.‏

هـ - سقوط الأجل بانتهاء مدّته‏:‏

99 - لمّا كان هذا النّوع من الأجل يحدّد لنا المدى الزّمنيّ لاستيفاء الحقّ، فالعقد أو التّصرّف المقترن بأجل التّوقيت، أو المؤقّت، إذا انقضى أجله انتهى بذلك العقد وعاد الحقّ إلى صاحبه، كما كان أوّلاً، فيكون على المتعاقد ردّ العين إلى مالكها إذا كان المعقود عليه عيناً، ويكون عليه عدم التّصرّف إذا كان العقد يجيز للشّخص تصرّفاً ما من التّصرّفات‏.‏ والعقد المؤقّت - إذا لم يكن مضافاً ولا معلّقاً - هو عقد ناجز يتمّ ترتّب آثاره عليه من وقت صدور المدّة المحدّدة له شرعاً أو اتّفاقاً‏.‏ فإن أضيف إلى زمن - وكان من التّصرّفات الّتي تقبل الإضافة فمدّة التّوقيت تبدأ من وقت حلول أجل الإضافة‏.‏ وكذلك إذا علّق على شرط - وكان من التّصرّفات الّتي تقبل التّعليق - فمدّة التّوقيت تبدأ من وقت وجود الشّرط المعلّق عليه العقد‏.‏ وبالإضافة إلى ذلك فإنّ الأجل ينقضي بانقضاء العقد نفسه الّذي اقترن به الأجل؛ لأنّ الأجل وصف للعقد وشرط لاعتباره شرعاً، فإذا انتهى الموصوف انتهى الوصف‏.‏

استمرار العمل بموجب العقد المنقضي أجله دفعاً للضّرر

100 - قد ينقضي العقد المؤقّت‏.‏ وحينئذ على المنتفع ردّ العين إلى صاحبها، ولكن قد يؤدّي ذلك إلى ضرر، ومن ثمّ أجاز الفقهاء تأخير الرّدّ إلى الوقت الملائم، الّذي لا يؤدّي إلى ضرر، مع ضمان حقوق الطّرف الآخر‏.‏ ولذلك تطبيقات في الإجارة والإعارة تنظر فيهما‏.‏